أخبار البلد -
يصحو قبل الفجر , يتبختر في السوق وبيده عصا غليظة , قبل أن تفتح دكاكين السوق أبوابها , ومع أنّه في العقد السابع من عمره , الاّ أنه بخفّة ونشاط يتفقّد الابواب, ويضرب بعصاه على الأقفال , ثمّ اذا طلعت الشمس , يختار مكانا تصل اليه أشعتها , ويبدأ يتفقّد المارة من أمامه , بعين يقولون عنها في السوق انّها عين حاسد , وتكسر الحجر والعياذ بالله , ينادي بأعلى صوته على أوّل الواصلين من اصحاب المحلاّت, يسأله وكأنّه يوبّخه , لماذا لم يسلّم عليه قبل أن يفتح دكّانه , وعن الخدش على الحجر السفلي من الجهة اليمنى للباب , والذي فعله كما يبدو طفل صغير , يحتار صاحب المحل في الاجابة , فما له ولهذا الخدش صغير , الذي لا يلاحظه الاّ من أراد النكد الصباحي , ويهز رأسه واعدا بأن يعرف من قام بهذا الفعل الشنيع , متمتما بالمعوّذات , غير مستبشر باليوم الجديد .
يبدأ الناس بالمرور في السوق وهم يتحاشون النظر اليه , ويسرعون الخطى الى أعمالهم خوفا من أن يسألهم عن شيء يبدو له جميل ولا يصّلي على النبي محمّد , صلّى الله عليه وسلّم , فهم يعرفون أنّه ممن يصيب الناس بالعين , وهو الذي يتدخّل فيما لا يعنيه ويحشر أنفه في كلّ شيء في السوق , ويذكرون عنه أنّه لمّا كان صغيرا , شاهد جملا محملا بحمل قمح لأحد التجّار , فراهنه أحد الخبثاء أن استطاع أن يوقع الحمل فله نصف دينار , ضحك , وأستخف بالمبلغ , ورسم شكل السنام على الارض ثمّ نظر الى الجمل , فوقع الحمل وارتمى الجمل من غير حراك , وكسب الرهان .
كثيرة هي القصص التي ينسجها الناس عن عينه , وأنّها لا تخطئ أبدا في رمي الناس بسهام الحسد , فتصيبهم أو تصيب أولادهم وممتلكاتهم , ويروون عنه أنّه ذات مرّة كان يمّر بصخرة صمّاء , أعجبته, فوضع يده عليها فانفلقت الصخرة , وتفتّتت الى أجزاء صغيره , ويقولون أنّه يحسد كلّ الناس على كلّ شيء حتّى أنه حسد نفسه وولده , فعندما ولدت زوجته ولدا , قال ما أجمل هذا الولد ووضع يده عليه , فمرض الولد مرضا شديدا لم تستطع الأعشاب جميعها أن تشفيه ومات . وعلى من يمرّ به أن يقرأ سورة الكرسي والمعوّذات , ولا ينظر اليه , ولا يردّ السلام عليه , ولا يخبره عن أي شيء , فانّه ان فعل ذلك فسيصيبه من عينه حسد .
انتصب واقفا , ووضع يديه خلف ظهره والعصا في اليمنى , ومشى في السوق وابتسامة صفراء تعلو محيّاه , قاصدا القهوة التي لا بدّ أن تكون قد فتحت ابوابها , مفكّرا بحال الناس التي لا تردّ السلام عليه , ويتحاشونه كلمّا مرّ عليهم , ولا يطيقون الكلام معه , مع أنّه كما يعتقد لم يؤذ أحدا منهم , وكان كلّما أعطى ظهره لبائع يقف على باب دكّانه ينظر الى دكّان جاره يحسده على زبائنه , يرفع البائع يديه الى السماء داعيا الله , ان يأخذ هذا الحاسد , يميته ويريح عباده منه .