مدير مدرسة يستعرض مسدسه على طريقة الزيارة الاخيرة لجلالة الملك الى هيئة مكافحة الفساد ولقائة برئيس الهيئة وتشديد جلالته على أهمية الدور المناط بها في الحفاظ على ممتلكات الدولة الاردنية من العابثين والفاسدين والمفسدين وكشفهم وتحويلهم الى الجهات القضائية لينالوا عقابهم الرادع ، ترك انطباعا ايجابيا على كل المستويات بان عجلة الاصلاح قد بدأت وأن سياسة المحاسبة والمكاشفة قد حان وقتها ، وأن العبارة الشهيرة التي أحتمى بها العديد من هؤلاء الفاسدين " أوامر من فوق" قد أسقطها جلالتة حين قال " ما فيه شيء اسمه أوامر من فوق ولا خطوط حمراء في محاسبة من أهدروا مقدرات الوطن " .
كنا بحاجة ماسة الى العبارة الاخيرة لجلالة الملك بتلك الصراحة وذاك الوضوح ،كنا بحاجة ماسة أن يعمل فريق الهيئة ضمن دعم ملكي واضح وغير محدود ، كنا بحاجة ماسة أن يأتي الامر الملكي واضحا وصريحا بكسر تلك الحلقة الفولاذية ( أوامر من فوق !!!) التي قيدت معصم العديد من أبناء الوطن لسنوات عديدة ، فكانوا تائهين ومترددين وحتى خائفين بين مطرقة تمرير الاخطاء بقصد الحصول على رضا المسؤول للاستمرار بالعمل وتجنب الجوع وسؤال الناس ، وبين سندان الضمير الحي الذي لا يقبل بالاخطاء بحق الوطن والمواطن .
عمل الهيئة لن يكون سهلا ولن يكون مفروشا بالورود ! فالحمل ثقيل وخطر في كثير من الاحيان ، كخطورة السير في حقل الالغام المزروع بين الاحياء والطرقات وبين الناس ، نحن نتحدث عن فساد تضخم عبر عشرات السنين بشكل كبير ومؤسسي ومنظم ومدروس ، وهو ينتظم في حلقات ، أسهلها تفكيكا تلك الحلقات الدنيا التي تتعلق بمراسل في دائرة ما أو حارس ليلي أو بموظف بسيط أو رئيس قسم في وزارة ، وتزداد تعقيدا وصعوبة كلما أنتقلنا الى الاعلى بشكل عمودي حيث تضييق تلك الحلقات وتزداد صلابتها وقسوتها وشراستها وضبابية أصحابها ، ممن قد يحملون لقب " سعادة" أو " عطوفة " أو "معالي" وحتى لقب " دولة " أحيانا ، وهذا يقودني الى اقتراح لدمج هيئات أخرى لها نفس التوجهات في العمل تحت مظلة هيئة مكافحة الفساد مثل ديوان المظالم وديوان المحاسبة وديوان الرقابة والتفتيش لاعطاء دفعة قوية للهيئة في انجاز أفضل، حتى لو تطلب الامر توسيع مظلة عملها وزيادة كادرها من موظفي تلك الهيئات المندمجة معها .
في دول العالم التي تمارس الديقراطية بمعناها الصحيح والواضح والشفاف ، لم يمروا بمرحلة " أوامر من فوق " والتي وصلت الى مستوى الخطيئة في دول العالم الثالث ، ولم يستغلوا وجودهم في مواقع متقدمة في صنع القرار لتطيبق سياسة اللف والدوران كما فعل العديد من أبناء جلدتنا ، حين تقوم الدنيا ولا تقعد في السويد على حادثة ملىء خزان السيارة الخاصة لعمدة أستكهولم من كوبونات حكومية لبلدية المدينة وليس من جيب العمدة الخاص ، ويؤدي بها الامر الى الاستقالة من مركزها ومن مجلس النواب – كونها نائبة وريئسة حزب - ، أتخيل حينها ، كم هيئة لمكافحة الفساد يلزمنا ، وكم هو الكادر الذي يفترض أن يعمل بها ليل نهار للامساك بمن ملؤوا بطونهم من المال الحرام وعاثوا فسادا بمقدرات الوطن !!!