أصبحت الحياة لا تطاق بين أفراد ودول الأمة الواحدة، ولكن لم ينصلح الحال إلاّ إذا تبدلت تلك المفاهيم والأساليب المغلوطة بين دول وأفراد الأمة، فلابد من صراع كله يحول إقامة أسلوب جديد محترم يتبع الأخلاق والطباع العربية الأصيلة والحميدة، من هنا تكون علاقاتنا إنسانية ونطلق عليها لقب (الإيمان)، فيجب أن نولد مرة ثانية.
تعاني الأمة العربية شلل غريب في الهمم والمواهب، وهذا ما نتج عنه تخلف سحيق مصحوباً بالإنتاج والإجادة. فلتعلم عزيزي القارئ أن نصف خصومنا من الأمم الأخرى يكرهون الدنيا أو الحياة وملذاتها، على أن الأمم القوية تبلغ ما تهوى وتريده بوسائلها الخاصة، أما الأمم الضعيفة فهي تجري وتلهث وراء غيرها، لكي تتعلق بركاب الأمم القوية مثل المتسلقين بحافلات النقل.
يؤسفني أن أمتنا لم تبدأ النهضة الحقيقية الصحيحة لمظاهر التقدم والبناء والتي لم نراها أو نسمع عنها حتى تكون امتداداً لتاريخها، وإبرازاً لشخصيتها أو نماء أصلها وتثبيتاً لملامحها. ودائماً وأبداً أسأل نفسي كثيراً لقد تقدم الآخرون ما تقدموا إلا بما نقلوه وأخذوه عن أسلافنا من فكر وخلق ووعي وتجربة.
رأت يوماً بعض الناس الذين تكثر دعاواهم ولا تؤمن بلاياهم، ثم رجعت وعدت بنظرتي إلى هؤلاء وأنا أضع يدي على مخرج وسبب واضح ومبين من أسباب تأخرنا، فنظرت إلى هؤلاء فوجدت العمل يخرج من بين أيديهم وعقولهم ناقصاً غير تام، وهنا أعتقدت أن شأنهم غير جميل، ووجدتهم لا يأسون على ما فعلوا، ولا تحركهم أشواق إلى إدراك ما فعلوه. وقد نقصوا المراتب الأفضل، فعرفت وعلمت أنهم أناس تنقصهم موهبة الإيمان والإصلاح والإتقان، وأن أمامهم شوطاً كبيراً وواسعاً من التعليم والتدريب والعلاج حتى تكسب أيديهم الخبرة والمهارة المطلوبة وتستجب لنفوسهم الإجادة والتفوق، وكل هذا ليس نقصان من العقل العربي، على العكس فمن عقولنا ما هو أبدع وأحيا وصمم وصنع، فالأمل موجود. هنا أحسست أن لهؤلاء طبعاً جشعاً وليتهم يتوسلون إلى مطامعهم بجهد وعرق مبذول. فمن هنا يكون الهبوط والعلل بالمستوى الإنساني، وقد شعرت بأن الإنسان في هذه الدنيا لابد أن يحصد الغالي ويجتهد بعد طول كدح في هذه الدنيا وأن يحسن العمل.
فنرى الآن اليابان التي عاشت وتعيش موكب نهضة حقيقية صناعية وتكنولوجية عارمة، ونجحت في التدافع اللعين بين ما يفرض على الشعب من الخارج، وما يهفو ويلهث إليه من الداخل، فماذا كانت النتيجة؟ أصبحت أمة من أنجح الأمم الدنيا، ولا تزال.. هكذا كانت النهضة الحقيقية التي فلحت في اختراق العالم من نشاط ونظام.
... وعليه فإن البناء الحقيقي لأمتنا يكمن في أمرين، أولهما أن الإنسان العربي لابد من أن يقظ في الفجر وأن يتحمس للبناء والتجديد والإيمان وشرف الإصلاح والإخلاص في العمل لله ورسوله، والأمر الآخر هو أساسه التفوق العلمي والبحثي والتعليمي والعملي في كل أفق العمل والتي أمتدت إليه الحضارة الحديثة من استصلاح التربة الميتة إلى حية ومن غزو الأرض إلى غزو الفضاء. فالنهوض الحقيقي للأمة هو إزالة العلل، وقدرة الأمة على الاستغناء عن شهواتها، والاستهداء بالإيمان والإصلاح، والاستعلاء على متاع الدنيا بحيث تأخذ بقدر ما يستطيع، وتنصرف كيفما تشاء وإن بناء ضمائرنا ونفوسنا يسبق بناء مصانعنا وجيوشنا، وهذا البناء لا يتم إلا وفق تعاليم الإيمان والإصلاح من داخلنا، ولعلنا نعي ونأمن تماماً أن التفوق لا يولد، إنما يتطلب رغبة ومعرفة وشوقاً وعزماً على اقتحام عالم التكنولوجيا وكل هذه مشاعر لا تلد وانما هي عقيدة وضمير، فالإيمان والإصلاح هما قرينان لاينفكان، والإصلاح المنشود مفروض على الإنسان، فإن إعادة الحياة للأمة لابد من احتلال الضمير لكل إنسان عربي كي ترسم خطوط السير في المجتمع والأمة، وذلك هو وحده طريق النهوض الصحيح للأمة.