قال الوزير الاسبق الدكتور ابراهيم بدران انه لا يمكن إدارة شؤون الأمم الا من خلال بناء دولة وطنية تستند الى الأركان الرئيسية السبعة التي تقوم عليها الدول الحديثة والمتمثلة بالمشاركة السياسية ، والأمن ، والاقتصاد ، والمؤسسات ، والتعليم ، والثقافة والعلم والتكنولوجيا والإبداع والديمقراطية والمواطنة وسيادة القانون.
ولفت الدكتور بدران في محاضرة القاها امس في جمعية الشؤون الدولية بعنوان «لماذا تفشل الامم» الى ان هذه الأركان كل منها يشكل آلة أو مسيرة بالغة التعقيد والحساسية وينبغي أن تعمل بالتنسيق والتزامن مع الآلات الأخرى حتى يولد النظام بكامله ما نطلق عليه نجاح الدولة وتقدمها واستدامة هذا النجاح.
وبين ان إدارة الدولة المعاصرة عملية معقدة لا يستطيع أن ينفرد بها طرف من الأطراف سواء كان فرداً أو حزباً أو مجموعة ،مشيرا الى ان ذلك التفرد والتسلط وإقصاء الآخر يؤدي الى توقف التقدم والى السير في طريق الفشل.
ووفق الدكتور بدران كلما كانت هناك اخفاقات في أداء الأركان الرئيسية السبعة كلما جعلت هذه الاخفاقات بنيان الدولة أقل قوة وتماسكاً وزادت فيه من عناصر الضعف أو ما يطلق عليه هشاشة الدولة من الداخل ومن الخارج على حد سواء.
واكد ان الدول التي تخفق في إدارة شؤونها المختلفة تصبح هشة وقابلة للانكسار والفشل في حين أن الدول التي تنشئ لنفسها برامج واضحة وتوافقات سياسية مجتمعية دائمة ومعايير أداء وآليات تصحيح داخلية من خلال الرقابة والمساءلة والشفافية فإنها تصبح أكثر قوة وأقل عرضة للهزات الخارجية وتكون مواطن الضعف أو الهشاشة فيها ضئيلة.
وحسب الدكتور بدران طور الباحثون والعلماء مقياساً لنجاح الدول أو فشلها أو قوتها وهشاشتها يسمى دليل هشاشة الدولة،مشيرا الى انه كلما صغر هذا الرقم الذي يعتمد على حصيلة أداء الأركان الرئيسية للدولة الوطنية الحديثة كلما كانت الدولة أقل هشاشة وأكثر استقراراً.
وذكر الدكتور بدران الى ان الرقم يتراوح لعام 2015 بين (17) لبلد مثل فنلندا وهي الأولى والأفضل في العالم لتصل الهشاشة الى (115) في بلد مثل جنوب السودان وتشاد وسوريا والعراق وهي تعتبر الآن دول فاشلة قريبة من الانهيار.
وتساءل الدكتور بدران لماذا تفشل الامم مؤكدا في هذا الصدد ان الأمم تنزلق في طريق الفشل حين لا تصدمها حالة الضعف التي هي فيها ولا ترى نقاط الخلل في أدائها، وانما تحاول أن تغطي ذلك بعبارات وأعذار.
واضاف «تفشل الدولة حين يكون التركيز لديها ليس على المستقبل ومتطلباته وانما الحاضر يوما بيوم أو الماضي، فلا تحسم القضايا المعلقة ولا تتيح الفرصة لقادة الرأي والعلم فيها أن يؤدوا دورهم فيتأتى عن ذلك غياب للثقافة التنويرية والرؤى المستقبلية وتتراجع أنظمة التعليم.
وزاد الدكتور بدران تفشل الدولة حين تعجز عن انتاج أجيال مبدعة تمعن في الاهتمام والتركيز فقط على الحكم والإدارة وليس في بناء الدولة ذاتها فلا تتطور مؤسساتها السياسية والاقتصادية وتنظر الى السياسة والاقتصاد على أنها حكر على مجموعة دون أخرى فتضعف المواطنة ويشعر المواطن بالاغتراب وبالتالي تغيب المساءلة والشفافية وتتحرك المؤسسات القائمة على حالة هلامية ضئيلة الانجاز.
وووفق الوزير الاسبق بدران «حين تغيب الرؤية المستقبلية يغيب المشروع الاقتصادي ويأخذ الانتاج المحلي بالتراجع ، وتضعف الصناعات الوطنية فيتراجع الاقتصاد الوطني ، ويزداد الاعتماد على الخارج سواء بالمساعدات أو الاستيراد ، ويتفاقم الحال بالبطالة وعدم مشاركة المرأة فتزداد مساحات الفقر وخاصة في الأطراف والأرياف ويأخذ كيان الدولة بالاختلال.
وقال يتفاقم الحال حين تكون هناك ضغوط ديموغرافية نتيجة للهجرات واللجوء أو لتوترات داخل مكونات المجتمع وغياب المساواة وضآلة تكافؤ الفرص فيتعمق الفساد المالي والإداري والمحسوبية والقرباوية وتضعف منظمات المجتمع المدني فلا تقوم بدورها على المستويات المختلفة.
ولفت الى انه حين تكون البيئة الجغرافية ضعيفة سواء من حيث قلة الأمطار أو ندرة المياه السطحية أو البيئة الحارة كما هو الحال في معظم الأقطار العربية وتتراخى الدولة عن تطوير البيئة وتغيير الجغرافيا بإنشاء الغابات والسدود والمرافق المائية والمساحات الخضراء تتفاقم الهجرة من الريف الى المدينة وتزداد الدولة هشاشة وتصبح مهددة بالانهيار في أي لحظة.
بدران: الدول التي تخفق في إدارة شؤونها تصبح هشة وقابلة للانكسار
أخبار البلد - اخبار البلد-