توقيع وزير الحرب والعدوان الإسرائيلي في حكومة المستوطنين التوسعية موشيه يعلون قبل أسابيع قليلة ، على أوامر الاعتقال الاداري للثلاثي المتطرف مئير أتينغر ، وأفيتار سلونيم ، ومردخاي ماير المشتبه بهم على أنهم حرقوا كنيسة الخبز في طبريا ، وحرق عائلة الدوابشة في دوما نابلس ، يعود قراره لعدة أسباب يمكن إجمالها كما يلي :
أولاً : منع محاكمة هؤلاء المتطرفين وحمايتهم من الادانة ، لأن محاكمتهم ستؤدي إلى إدانتهم ومكوثهم في السجن لسنوات طويلة نظراً لحجم الجرائم المتكررة التي قارفوها ، وبالتالي سيضع الليكود وحكومة نتنياهو في حالة تصادم مع المستوطنين .
ثانياً : محاكمتهم ستؤدي إلى فضح المؤسسة الرسمية الإسرائيلية الامنية والعسكرية ومدى الطواطؤ مع أفعالهم سواء من جهة التحريض الذي يتلقونه من القيادات السياسية والحزبية ، أو من جهة التغاضي الرسمي عن أفعالهم إلى الحد الذي تمادوا فيه إلى ممارسة القتل والحرق المتعمد للبشر وللمزروعات وللأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية، فالجرائم التي اقترفوها تعكس سياسة المؤسسة الامنية والعسكرية مثلما تعكس رؤية الاحزاب المتطرفة وسلوكها .
ثالثاً : على الرغم من عدم تعرضهم للمحاكمة فقرار التوقيف الادراي يُبرأ المؤسسة الرسمية العسكرية والامنية أمام المجتمع الدولي ويخفف من حجم الضغوط أو الإنتقادات الموجهة للمشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي برمته من قبل الاوروبيين والاميركيين ، وبهذا القرار يضع المؤسسة العسكرية والامنية ومن خلفهما المؤسسة السياسية في حالة الظهور بالبراءة وعدم قبولها لأفعالهم وبالتالي تخرج حكومة نتنياهو بأقل الاضرار السياسية أمام المجتمع الدولي ، وبأقل الاضرار أمام قاعدتها السياسية الاجتماعية من المستوطنين المتطرفين حيث سيصار لاحقاً للإفراج عنهم بعد فترة من الزمن تحت ضغوط الاحزاب والنواب والمستوطنين ، لأن قرار الافراج في هذه الحالة قرار إداري بيد وزير الدفاع ، وليس قراراً يصعب نقضه من قبل أي طرف إذا صدر عن المحكمة بعد محاكمتهم وإدانتهم .
قرار التوقيف الاداري قرار تعسفي لا يستند لأية معايير ديمقراطية ولا صلة له بحقوق الانسان ، وهو سلاح يعتمده الحاكم العسكري هروباً عن اللجوء للمحاكمات القانونية ، ولذلك على الرغم من أنه يضع هؤلاء المجرمون قيد الحجز ، ولكنه في نفس الوقت يشكل غطاء لشرعية قرارات الحاكم العسكري في تعامله مع الفلسطينيين ، فالقرار يشكل غطاء تضليلياً لسلطات الإحتلال العسكرية ، حيث يظهر على أنه يساوي بين الفلسطينيين والإسرائيليين ، وهو ليس كذلك فالتوقيف الاداري يمس ألاف الفلسطينيين ، الذين يقبعون تحت سلطة الحجز والتوقيف التعسفي ، بينما لا يتناول سوى أفراداً إسرائيليين سيجري الافراج عنهم عند أول دفعة ضغط من قبل أحزاب المستوطنين المشاركة في حكومة نتنياهو ، وها هو المناضل الاسير الذي أضرب عن الطعام لأكثر من شهرين محمد عليان ، عنواناً للإحتجاج على التوقيف الاداري التعسفي ، وعنواناً للكرامة الفلسطينية ، ورفضاً للإحتلال وإجراءاته التعسفية .
قرار موشيه يعلون بالتوقيف الاداري للمجرمين الثلاثة هو حماية لهم من العقاب ، وليس شكلاً من أشكال العقاب ، وهو حيلة مكشوفة عارية أمام قوى السلام والديمقراطية والليبرالية الإسرائيلية ولذلك رفضت تعرض هؤلاء المجرمين للتوقيف الاداري لسببين أولهما لأنه حماية لهما من تعرضهما للمحاكمة ، وثانيهما لأن استمرار العمل بالتوقيف الاداري الموروث من العهد الإستعماري البريطاني بمثابة سلاح تعسفي مُشرع ضد الفلسطينيين أولأً وأخرأً ، وتوقيف المجرمين الثلاثة يشكل غطاء لسياسات سلطات الإحتلال العسكرية والامنية ضد مناضلي الشعب العربي الفلسطيني .
h.faraneh@yahoo.com