أخبار البلد -
ان الأفكار العظيمة تحتاج الى عجلات واجنحة للهبوط وكل فكرة لا تدخل حيز التنفيذ لا تحدث اثراً عظيماً وعلينا ان نقر بحقيقة انه لا يمكن لفكرة او مبادرة ان تنجح ما لم يكن هناك اصحاب قرار مؤثرون في الأمر مؤمنين فيها لينقلوها من حيز الدراسة والتخطيط والاعداد الى حيز التنفيذ وينبغي لأي انسان ومسؤول ان يفكر بوصفة رجل افعال ويتصرف بوصفة رجل افكار في فائدة التفكير السليم ما لم نطبقه في الحياة العملية ويكون له واقع ملموس فالأفكار الصحيحة والمسؤولين المناسبين في ظل وجود بيئة ملائمة توفر مقومات نجاح ذلك وفي الوقت الصحيح حتى تعطي النتيجة المرجوة فلقد كان هناك توجهات ملكية في مشروع اللامركزية وتختلف النظرة الى مفهوم اللامركزية من بلد لآخر نظراً لتباين الاستراتيجيات المتبعة من طرف الدول فاللامركزية عملية ترمي الى نقل انشطة اقتصادية وخدمية من منطقة مركزية مسيطرة ومهيمنة الى محافظات قليلة النمو بحيث يمكن لهذه المحافظات ومن خلال المسؤولين المعنيين فيها مزاولة عمل الدولة فيما يخص تنفيذ ومتابعة وسير الاستثمارات وتطوير البنية التحتية وتحقيق التنمية المستدامة في المحافظة وينبغي ان يكون تحويل الصلاحيات والسلطات لهذه المحافظات مصاحباً بتوفير المخصصات المالية اللازمة والضرورية لتحقيق التنمية اللامركزية وفي هذه الحالة فان هناك من يعتبر اللامركزية مسار يتخلى بموجبه مركز عن جزء من سلطاته وامتيازاته وصلاحياته الى صالح سلطات ادنى ( المحافظات ) شريطة ان لا تمارس السلطة المركزية رقابة صارمة تؤثر على اتخاذ القرارات في تلك المحافظات اذ ان فشل كثير من الخطط الاستراتيجية للتنمية وبالذات الريفية ناجم بالاساس عن الاساليب الادارية المتبعة في ادارة هذه الخطط التنموية اثناء اقرارها او تنفيذها ويبرز مدى اهمية الترابط والانسجام والتكامل بين الهيئات والمؤسسات والمديريات في تلك المحافظات باعداد المشاريع المطلوب تنفيذها والخطط المناطة بها وبمشاركة المجتمع المحلي اي المشاركة الشعبية من ذوي العلم والخبرة والدراية ودور المجموعات والفئات المستهدفة في عمليات خطط التنمية والمحلية وهذا ما يعرف باسلوب التخطيط من اسفل لتحقيق مبدأ رئيسي من مباديء التنمية الناجحة وتعزيز الديمقراطية التشاركية والتوافقية والحرية المتزنة وبالمفهوم الانساني الشامل الذي يسمح ويعظم من قدرة المواطن على المشاركة والاختيار .
بينما نلاحظ انه في كل حكومة يخرج فريق عمل لزيارة المحافظات لتحديد المشاريع لتحقيق التنمية المطلوبة وفي كل مرة تنتهي فترة ولاية هذه الحكومة وتأتي حكومة تلو الحكومة دون تحقيق اياً من تلك المشاريع التنموية حتى وصل الامر الى فقدان ثقة المواطنين بمصداقية الحكومات في تحقيق التنمية وهنا يتبين لنا اهم معوقات ومزاليق الاستراتيجية السيئة اضافة لتقلبات الادارات المركزية فان هناك فشل في تحديد او مواجهة المشكلة في تلك المحافظة من اجل وضع خطة محكمة للوصول الى هدف مستقبلي اي ان هناك حاجة لتحديد دقيق للمشكلة او الازمة او التحدي الذي يواجهنا حيث ان الفشل في تحديد المشكلة سينتج عنه عادة وضع استراتيجية غير مناسبة حتى ولو بدت محفزة ومن ثم يحصل الفشل في الوصول الى الهدف المنشود بالاضافة الى ذلك فأن تعاقب الادارات في الحكومات المتعاقبة المكلفة بتنمية المحافظات تخلط بين الاهداف الاستراتيجية فهناك فارق جوهري بينهما فالهدف يأتي عادة كنتيجة لوضع وتحديد الاستراتيجية وليس العكس وبالتالي يجب ان توضع وتشكل الاستراتيجية اولاً وتكون مبنية على الاستفادة من نقطة القوة المتوفرة لتعطي ميزة للاستراتيجية كتوفر القوى البشرية المؤهلة لادارة المشروع او توفر المواد الاولية او البنية التحتية للمشروع ثم يأتي وضع الاهداف المحددة بحيث تنفذ حسب الاستراتيجية وان لا تتعدد الاهداف مما يضعف التركيز ويزداد التشتت وان لا تكون الاستراتيجية استعراضية سطحية ضبابية تحوي كلمات لا تعبر عن شيء مجرد استعراض امام صاحب القرار .
بينما نجد ان الاستراتيجية الناجحة حُددت بثلاث خطوات هي التشخيص السليم لنوع الازمة والتحديات التي نواجهها وتحديد الاحتياجات المطلوبة بدقة ثانياً التوجيه اي وضع سياسات ارشادية للتعامل مع الواقع بتحدياته ثالثاً تحديد مجموعة من الاجراءات المترابطة والمتماسكة بخطوات منسقة مع بعضها بهدف الانجاز وهذا يتطلب بصيرة وبعد نظر .
فهل ستحقق اللامركزية تنمية حقيقية في المحافظات وهل المحافظات مؤهلة داخلياً لاعداد المشاريع والخطط التنموية وهل يتوفر لديها الكوادر المؤهلة والمدربة لتحقيق ذلك .
المهندس هاشم نايل المجالي
hashemmajali_56@yahoo.com