شهد شهر آذار من العام الماضي منعطفاً هاماً جداً في تاريخ المعلم الأردني ، لا أبالغ إن شبهت ذاك المنعطف بالثورات العربية التي تنطلق في بلاد الضباب العربية ، فالمجتمع التربوي بأسره ومنذ عقود طويلة كان حبيس القوانين البالية والمزاجية المفرطة في إدارة صرح عظيم ومرتكز هام في أساس بناء أي دولة يسمى التربية والتعليم . وبالفعل إنطلق المعلم الأردني من حالة اليأس والإختباء في غرفة المعلمين إلى مرحلة الشريك والصانع لآلية عمله التي يمضي بها ، بعد أن كان مجرد عبد يتلقى الأوامر ويضرب بسوط المتنفذين في وزارة التربية والتعليم ، ويقتصر دوره على التنفيذ والتوقيع على ما لا يعلم من وراءه أي ثمرة ستقطف . لقد أثبت المعلمون في هذا البلد الطيب أنهم على درجة عالية من الوعي وأنهم لا كما تراهم وزارتهم هزيلين متراخين ، فالظروف التي يعيشها المعلم الأردني مقارنة بغيره من الدول الأخرى تعد سيئة للغاية ولا أعتقد أن حجة ضعف السيولة مقنعة لأن الواقع الخفي يثبت عكس ذلك تماماً ، طالما أن سياسة التنظيم لسلم الرواتب ليست عادلة بأي شكل من الأشكال والحكومة تدرك ذلك جيداً ، والظروف التي نتحدث بها عن المعلم ليست إقتصادية فحسب بل معنوية إجتماعية ووظيفية مهنية أكثر من أي جانب آخر يسمى إقتصادي ، وعلى هذا الأساس بدأت ثورة المعلم بشرارة هفوة أطلقها وزير سابق للتربية أثبتت حقيقة نظرة الحكومة للمعلم الأردني . بحمد الله كانت شاهداً على بداية تأسيس كل التحركات التي شهدتها محافظات المملكة من تنظيم وترتيب لرص الصفوف لتشكيل لجان تقوم بدور المحاور والمفاوض مع الحكومة في سبيل تلبية مطالب المعلمين بدءاً من إقالة وزير الى المطلب الأسمى المتمثل بإعادة إحياء نقابة المعلمين الأردنية ، وبالفعل بدأت المسيرة الوعرة لتبدأ إنتصارات المعلمين بإعادة حقوقهم المسلوبة واحدة تلو الأخرى من علاوة ومكرمة إنتقصت الحكومة جزءاً منها علاوة على قوانين وأنظمة كانت مغيبة وتسيرها الأهواء والمحسوبية ، وما زال الكثير منها أيضاً بحاجة للتعديل . وتكللت هذه المسيرة العطرة للمعلم الأردني بإعلان تشكيل اللجنة الوطنية لإحياء نقابة المعلمين التي أثبتت قدرتها على إدارة الموقف مع الحكومة وبشتى الوسائل المشروعة التي كفلها الدستور للمواطن ، وحقيقة أثبتت الحكومات الأردنية انها لا تدرك لغة الطاولة والحوار إلا بعد أنت ترى القوة للطرف الآخر بشكلها الحقيقي ، وتصر على قتل أي محاولة لإستعادة الحقوق بكل الأساليب المقيتة ، فقد أبدعت بالإستيداع والتقاعد لبعض المعلمين النشيطين في الحراك إلا أن كيدها رد إلى دارها وتراجعت عن قرارها البغيض ، وأدركت حينها أن الطرف الآخر ( أي المعلم ) لم يعد ضعيفا وهزيلا كما إرتات هي منذ زمن طويل وبسياسة خفية يدركها من كان بالأمر عليماً . ولم تترك الحومة مخرجا للحراك إلا واتخذته سبيلا لها لقتل المعلم المستيقظ من سباته ، فشكلت اللجان الوهمية لتحاورها بطريقة غريبة وها هي الأن وبعد إقتطاف ثمرة الإعتراف بالنقابة تحاول بطرقها المتعددة إنتقاصها وتجزئتها الى فتات من خلال لجان أخرى ترفض نقابة المعلمين وتناهضها علاوة على لجان أخرى مستقلة كما تدعي تريد تنفيس حجم النقابة بأي طريقة كانت ، ولتبدأ ببث سموم التفرقة والتجزئة بين صفوف المعلم الأردني لتخلق شرخاً بين أطراف المعادلة وأصحاب المطالب المشروعة . ورغم كل ذلك فإنني على يقين تام بأن هذا التشتيت الذي يحاول بعض الأطراف بناءه ودعمه بصورة مرفوضة لن يجد له موطئ قدم كما هو يرى ، وسيقف المعلمون في وجهه مهما حدث من خلافات وتباينت الآراء من شمال المملكة إلى جنوبها ، لإثبات وحدة صف المعلمين التي إنتظرها الكثير من ابناء القطاع التربوي . www.tamer3ayed @yahoo.com