الأردن وصندوق النقد الدولي – معاً في الأزمات حتى يتحقق مستقبل أفضل

الأردن وصندوق النقد الدولي – معاً في الأزمات حتى يتحقق مستقبل أفضل
أخبار البلد -   اخبار البلد-
 
استكمل المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي في 31  تموز الماضي المراجعة السابعة والأخيرة في إطار اتفاق الاستعداد الائتماني مع الأردن، مختتماً بذلك البرنامج الذي بدأ في آب (اغسطس) 2012 بقيمة 2 مليار دولار. ولأنني تشرفت بالعمل مع الأردن في تلك الفترة كرئيس لبعثة الصندوق، أردت إشراككم في بعض الخواطر التي أوَضِّح فيها ما يجعل هذه المناسبة مدعاة للاحتفال. ببساطة، نجح الأردن في تجاوز المنعطف الحرج، وأصبحت البلاد تسير على المسار الصحيح نحو تحسين الأوضاع الاقتصادية للسكان، رغم ما تتسم به البيئة الخارجية من صعوبة متزايدة.  
وحين استعان الأردن بالصندوق في العام 2012، كانت المملكة تواجه صعوبات اقتصادية كبيرة خصوصا في ميزان المدفوعات. فبعد عقد من النمو القوي،  تباطأت وتيرة النمو الاقتصادي بسبب الأزمة المالية العالمية والاضطرابات السياسية والاقتصادية التي تعرضت لها المنطقة. ومن ثم، شهدت أوضاع المالية العامة والحساب الخارجي تدهورا حادا بسبب زيادة الإنفاق وتكرار  انقطاع  الغاز القادم من مصر، مما اضطر شركة الكهرباء الوطنية إلى الاعتماد على زيت الوقود الثقيل بأسعار أعلى. وأدى كل ذلك إلى تراجع مستوى الثقة في الاقتصاد الأردني في منتصف العام 2012، مما أحدث ضغوطا على احتياطيات المملكة من العملات الأجنبية وانخفاضها بشكل كبير. 
وإزاء هذه التطورات، وضعت الحكومة برنامجا وطنيا للإصلاح الاقتصادي، بالتعاون مع الصندوق. وكان هدف البرنامج هو الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي الكلي عن طريق تخفيض عجز القطاع العام وايقاف ارتفاع الدين العام. ولأن تثبيت الدين العام كان يتطلب تصحيحا ماليا كبيرا للغاية، كان من الضروري اتباع منهج تدريجي، وقد عملنا مع السلطات لتقديم ما يلزم من تمويل لتجنب حدوث انخفاض حاد في الانفاق العام بما يؤثر على النمو ويضر بشرائح السكان محدودة الدخل. 
ومنذ ذلك الحين حدثت تطورات عديدة، ولم تكن سارة في مجملها. فقد تصاعدت التوترات الإقليمية وتفاقمت أوضاع الأردن التي كانت محاطة بالتحديات في الأصل. ومن أبرز هذه التوترات ما نتج عن الصراعات الدائرة في سورية والعراق من توافد أعداد هائلة من اللاجئين – مما فرض ضغوطا شديدة على موارد الأردن المحدودة – وإلى اضطرابات في طرق التجارة، وهبوطا في حركة السياحة، وتردًّدا في توجهات المستثمرين. كذلك حدث توقف شبه تام في إمدادات الغاز التي كانت تصل من مصر بتكلفة منخفضة. ومع ذلك، نجح الأردن في عبور هذه الأجواء المحفوفة بالمخاطر، وقد تمثلت مظاهر هذا النجاح بما يلي: 
1  - تم الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي؛ فقد تحسن النمو ، وزاد بالتدريج على مدار الثلاث سنوات الماضية حتى تجاوز 3 % في العام 2014. وظل التضخم منخفضا، يدعمه انخفاض أسعار النفط، كما انخفض عجز الحساب الجاري لميزان المدفوعات. غير أن النمو لم يصل بعد إلى مستوى كاف لمعالجة البطالة  المرتفعة ، ولا سيما بين الشباب والنساء.  
2  - حدث تحسن ملموس في أوضاع المالية العامة. فقد تم تخفيض العجز المجمع للقطاع العام على مستوى الحكومة المركزية وشركة الكهرباء الوطنية إلى 9.2 % من إجمالي الناتج المحلي في العام 2014 بعد أن ارتفع من 4.9 % إلى 14.5 % من إجمالي الناتج المحلي في الفترة من العام 2006 إلى العام 2011، ومن المتوقع أن ينخفض إلى 3.5 % من إجمالي الناتج المحلي في العام 2015. وبالتالي، من المتوقع حاليا أن يبدأ استقرار إجمالي الدين العام عند مستوى 90 % من إجمالي الناتج المحلي هذا العام (وإن كانت هذه النسبة تمثل صعودا من 71 % من إجمالي الناتج المحلي في نهاية 2011) وأن يبلغ صافي الدين العام 82 % من إجمالي الناتج المحلي. وقد تحقق ذلك من خلال عدة إجراءات على مستوى الموازنة العامة– بما في ذلك إلغاء دعم الوقود، وقانون ضريبة الدخل الجديد، وغير ذلك من الإجراءات المتعلقة بالإيرادات – وإصلاحات في قطاع الطاقة والمياه للعودة بإيرادات المرافق إلى مستوى استرداد التكلفة على المدى المتوسط. وهكذا كانت الحكومة حريصة على تخفيف الأثر عن فئة محدودي الدخل، وهو ما شمل استحداث التحويلات النقدية الموجهة للفئات المستحقة التي تُصرف إذا تجاوزت أسعار النفط 100 دولار للبرميل وإبقاء تعرفة الكهرباء دون تغيير بالنسبة لمعظم الأسر. 
وإلى جانب الجهود المبذولة لضبط أوضاع المالية العامة، ساهمت الادارة الحصيفة للسياسة النقدية في استعادة الثقة في الاقتصاد الوطني، مما خفف ضغوط الدولرة وأعاد بناء الاحتياطيات الأجنبية، مع الحفاظ على استقرار القطاع المالي.
3 - حقق الأردن تقدما أيضا في معالجة القضايا الهيكلية؛ فعلى سبيل المثال، تم اعتماد قوانين للاستثمار والشراكة بين القطاعين العام والخاص، وإنشاء نافذة موحدة للمستثمرين، وإطلاق العديد من المبادرات لتيسير الحصول على الائتمان، وكلها تدابير مهمة للمساعدة في زيادة جاذبية الأردن كوجهة للاستثمار.  
ونحن ندرك أن هذا البرنامج كان ينطوي على  العديد من الخيارات الصعبة، وأن تطبيق بعض السياسات ربما يكون قد فرض مشقة على الشعب الأردني، ولا سيما منذ بدأ الأردنيون يستضيفون جيرانهم السوريين. ولذلك، قد يتساءل بعض النقاد، هل كانت هذه المشقة ضرورية بالفعل؟ وللإجابة على هذا التساؤل، من المهم أن نتذكر أن الأردن كان في موقف اقتصادي حرج حين بدأ البرنامج. ولم يكن أمام صناع السياسات من خيار إلا تنفيذ إصلاحات لإعادة الدين إلى مستويات قابلة للاستمرار ، ومن ثم استعادة الثقة في الاقتصاد. وقد كان هذا ضروريا لإعادة مالية البلاد إلى مسارها السليم، وإلا لما تمكنت الحكومة من الاستمرار في تمويل مصروفاتها.  
ومن جانبه، يثمِّن الصندوق علاقته البناءة مع الحكومة الأردنية وكثير من الأطراف المعنية الأخرى. وبالعمل معا، استطعنا الجمع بين خبرات المانحين وخبرات ومعرفة السلطات بالخلفية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الأردنية، من أجل ايجاد أفضل الحلول للتحديات التي تواجه البلاد وتوخي المرونة والمهارة في التصدي لها. فعلى سبيل المثال، تم تعديل أهدافنا لتغطية تكاليف المالية العامة ذات الصلة باللاجئين السوريين ونقص إمدادات الغاز من مصر والتي لم تكن متوقعة في بداية البرنامج.  إذن ما هي الخطوة التالية بالنسبة للأردن؟ لا يزال الأردن أمام تحدي الوصول إلى نمو أعلى وخلق وظائف جديدة للمواطنين. فكيف يتحقق ذلك؟ نحن نعتقد أن إجراء مزيد من التحسينات في مناخ الأعمال أمر بالغ الأهمية لتنمية القطاع الخاص، وتعزيز جودة المؤسسات العامة بما يوضح شفافية الحكومة في إدارة مساهمات دافعي الضرائب، بالإضافة إلى إصلاحات سوق العمل – مساعدة الشباب والعاطلين عن العمل على اكتساب مهارات تتوافق مع احتياجات القطاع الخاص، وزيادة مشاركة المرأة في سوق العمل. كذلك ينبغي أن يستمر ضبط أوضاع المالية العامة لوضع الدين العام المرتفع على مسار الانخفاض المضطرد وإتاحة المجال أمام مزيد من الائتمان للقطاع الخاص. ونعتقد أن هذا التصحيح المتبقي ينبغي أن يتم بصورة عادلة ومتكافئة. ونعني بذلك أن الإصلاحات ينبغي أن تركز على ضمان تلبية الاحتياجات الأساسية لأقل الشرائح دخلاً، مع مساهمة  الشرائح الأخرى في جهود المالية العامة حسب سعتهم المالية.
خلاصة القول إنه قد تم إنجاز الكثير ولكن المزيد ما يزال مطلوبا في المستقبل لتعزيز رفاهية الشعب الأردني ورفع مستويات معيشته. غير أن الأردن وشعبه أثبت بالفعل أن الإصلاحات الطموحة يمكن تنفيذها في أصعب الظروف. ونحن في الصندوق على ثقة تامة من نجاح الأردن في المضي نحو مستقبل أفضل.

*رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي للأردن.
مقال خصت به "الغد" بمناسبة انتهاء البرنامج  الذي اشرفت على تطبيقه الاستعداد الائتماني في الفترة 2012-2015.
شريط الأخبار فيديو || المقاومة الإسلامية في العراق تهاجم هدفاً في غور الأردن "الاقتصادي والاجتماعي": موازنة 2025 تتصدر التحديات الاقتصادية لحكومة حسّان "الوطني للمناهج": لا نتعرض لأي ضغوط خارجية أو إملاءات لإدراج أو حذف أي موضوع في مناهجنا الإفراج عن الأسيرين الأردنيين النعيمات والعودات حملة لإنفاذ سيادة القانون في البترا المعايطة يوعز بالتحقيق في الفيديو المتداول لتجاوزات أثناء إلقاء القبض على أحد الاشخاص نائب الملك يشدد على ضرورة الارتقاء بنوعية التعليم العالي ارتفاع سعر البنزين أوكتان (90) بنسبة 4% عالميا "اعتماد التعليم": لن يكون هناك برامج راكدة بالجامعات خلال 2-3 سنوات صالح العرموطي رئيسا لكتلة نواب "العمل الإسلامي" الأمن العام يوضح تفاصيل التعامل مع التجمع الاحتجاجي في البترا مكاتب استقدام الخادمات.. الوزير خالد البكار والخيارات المفتوحة في الامتحان الأول الأردن يعـزي إيـران بضحايا حادث انفجار منجم للفحم في إقليم خراسان من هو (فادي) الذي حملت صواريخ حزب الله اسمه؟ الحبس ل 4 أشخاص في الكرك خططوا لقتل مسؤولين مكافحة المخدرات تلقي القبض على 19 تاجراً ومروجاً للمخدرات اللواء الركن الحنيطي: القوات المسلحة مستعدة لتنفيذ أي مهمة دفاعية لحماية حدود المملكة الأوراق المالية توافق على طلب تسجيل رفع رأس المال لـ شركة "المتحدة للتأمين" إصدار 326 ألف شهادة عدم محكومية إلكترونيا منذ بداية العام الحالي إلغاء الإجتماع غير العادي لشركة الأردن الدولية للتأمين