أخبار البلد -
ندوة جمعية الشفافية الاردنية، التي أدارها بنجاح النائب عدنان السواعير، وشارك في تقديم أوراق العمل خلالها الذوات رجائي المعشر ومحي الدين توق وفياض القضاة، كانت ناجحة بامتياز وتفوق، ودلالة ذلك أن الاوراق المقدمة كانت مهنية وطويلة ومملة الى أقصى حد لمن لا يعنيه الامر، ولكن استقبال الاوراق من قبل الجمهور النوعي الذي حضر ومضمون النقاشات التي أثيرت، وعدم خروج أحد من قاعة الندوة أثناء تلاوة الاوراق، يؤكد انسجام الجمهور وحرصه على الاستماع وعدم تفويت أي معلومة تم تقديمها، وأن الذوات الذين قدموا أوراقهم بما حوت من مضامين رغم مهنيتها وجديتها لم تكن مملة، بل بالعكس قدمت رؤى ومعلومات وتوجهات في غاية الاهمية لن تقتصر الاستفادة منها على الحاضرين، بل ان تسربت الاوراق أو تم نشرها، ستشكل محطة نوعية في تثقيف الاردنيين ودفعهم نحو الاهتمام في مسار نمو مؤسسات المراقبة لمكافحة الفساد ودعوتهم ومطالبتهم لوضع خطة أو خطط عمل لولادة مؤسسة مؤهلة قادرة على معالجة الخلل الاداري لدى مؤسسات الدولة المدنية .
فديوان المحاسبة مؤسسة فرضت حضورها لمعالجة التجاوزات المالية لدى مؤسسات الدولة المدنية، مع أن تقاريرها الدورية السنوية ليست شعبية، بل تُقدم رسمياً لمجلس النواب والاعيان وللحكومة، ولكن الاطلاع عليها يقتصر على المختصين، ويتناولها الاعلام باختصار، ومن زاوية الفضائح، وتتناولها الحكومة وتتوقف عندها بامتعاض مراهنة على أن لا أحد يقرأ واذا قرأ فلا يهتم واذا اهتم فلا أحد يتعرض للمساءلة القانونية على تجاوزاته المالية .
وطالما أن لدينا ديوان المحاسبة المعني بمعالجة التجاوزات المالية للمؤسسات المدنية، فنحن نحتاج لمؤسسة تُعنى بمعالجة التجاوزات الادارية التي تعكس حجم الفساد وكيف وهو " معشش " في مؤسساتنا حتى نخاع أعماقها، ولأن للفساد رواده وأدواته، فقوى الشد العكسي تقف بقوة ضد أي تطوير اداري أو محاسبة ادارية، أو مُساءلة في التعينات وفي القرارات وفي التوجهات المتصادمة مع الدستور ومع القانون ولا تنسجم مع قيم العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص بين الاردنيين، فالمحاباة والواسطة والشللية والمناطقية والجهوية والعشائرية هي السائدة بقوة عند التعينات واتخاذ القرارات .
ديوان المحاسبة معنيٌ بمعالجة الخلل في التجاوزات المالية، للمؤسسات المدنية، وقيام مؤسسة مثيلة معنية بمعالجة التجاوزات الادارية للمؤسسات المدنية، هذا يعني أن المؤسسة العسكرية والامنية خارج المراقبة والتدقيق المالي والاداري، أي خارج اللعبة الديمقراطية، وأن تكون داخل سياق المراقبة والمحاسبة والمساءلة، مثل الدول الديمقراطية في العالم، يحتاج لنقلة نوعية ما زلنا لا نملك الشجاعة للاقتراب منها والعمل على أساسها، ولم نضع أرجلنا بعد على مسار الوصول اليها .
ندوة جمعية الشفافية الاردنية أعطت انطباعاً حسياً ملموساً في غاية الاهمية، ونقلة نوعية في فهم وادراك وعي الاردنيين وتقديم هائل في كيفية تناولهم لما هو سائد في بلادنا، فالحديث والنقاش والاوراق لم تتطرق لأي قضية سياسية على الاطلاق، فالثرثرة السياسية وطق الحكي لم يكن موجوداً في مسار الندوة سواء لدى أوراق الذوات المقدمة للجمهور، أو لدى نقاش وحوار الجمهور، بل كان مهنياً بامتياز وعبر عن عمق فهم الاردنيين لقضاياهم ودلل على أن المؤسسة البيروقراطية الاردنية برمتها أفرزت ذوات مهنية عالية المستوى، وصاحبة حس تتوسل ارساء قيم المسؤولية والمساءلة حرصاً على أمن بلدنا وتقدمه وتطوره بشكل مدني اصلاحي ديمقراطي، هذا ما دلل عليه محي الدين توق وفياض القضاه وكذلك المحامي المتداخل جمال الضمور، فهؤلاء اضافة لباقي المتحدثين لا أحد يملك الظن بوطنيتهم ولا أحد يملك شبهة ارتباطهم خارج حدود انتمائهم الوطني للدولة وللشعب وفق الدستور والقانون .
ندوة ناجحة يستطيع ممدوح العبادي رئيس الجمعية أن يضيفها لسجل نجاحاته مع باقي رفاقه في الجمعية، سواء من خلال اختيار الاشخاص المحاضرين أو من حيث الموضوع عنوان الندوة ومضمونها، وهي تذكرني أيضاً بندوة مماثلة قامت بها جمعية بيسان ورئيسها بسام حدادين حول التعليم قدم خلالها كل من ذوقان عبيدات وحسني عايش أوراق عمل ما زالت اصداءها تتداول وخاصة من قبل ليس فقط أطراف الشد العكسي بل أطراف أصولية رجعية لا تريد لبلدنا وشعبنا أن يتحرر من مفاهيم وسلوك وأدوات ماضوية أدت الى ما أدت اليه من صراع دموي غير مدني وغير ديمقراطي يجتاح سوريا والعراق واليمن ومصر وليبيا وقطاع غزة، بسبب هيمنة قوى الشد العكسي وتسلط قوى أصولية رجعية متخلفة، وندوة جمعية الشفافية سيكون لها الاثر حينما يقرأ عامة الاردنيين أوراقها كما قرأ ما كتبه ذوقان عبيدات وحسني عايش عن التعليم في ندوة سابقة .
h.faraneh@yahoo.com