أخبار البلد - مخيّم عقبة جبر
كم أحنُّ إليه
ذلك هو اسم لمخيّم مخضرم للاجئين الفلسطينيّين عاصر ثلاثة من انظمة الحكم الأردني والإسرائيلي والفلسطيني وقد رأيت النور في ذلك المخيّم بعد إنشائه بفترة قصيرة .
وحنيني الى ذاك المخيّم نابع من كونه في فلسطين السليبة أولا , وكان جزءا من الأردن الغالي ثانيا , وكان مسرحا لمرتع طفولتي المبكِّرة ثالثا , إضافة الى انه الزارع في نفسي حب العروبة متمثلة في الوحدة الإندماجيّة الفلسطينيّة الأردنيّة .
ومخيم عقبة جبر هو أكبر تجمعات اللاجئين في منطقة الأغوار على مسافة 3 كيلومترات إلى الجنوب الغربي من أريحا ويقع على ارتفاع 249 تحت مستوى سطح البحر ويأتيه 137 ملليمتر هطول من مياه االأمطار سنويا ، وقد وضعت وكالة الغوث الدولية الخيم فيه بعد النكبة مباشرة عام 1948 كما وضعت أولى لبنات البناء فيه عام 1956، وقد بلغ تعداد سكان المخيم قبيل نكسة حزيران 1967 حوالي 75 ألف لاجئ الأمر الذي جعل المخيم هو الأكبر في الضفة الغربية، وقد نزح معظمهم بعد النكسة إلى الأردن وسوريا ولبنان ودول عربية أخرى، حيث يصل تعداد سكان المخيم اليوم إلى حوالي سبعة آلاف نسمة فقط، يمثلون معظم مدن وقرى وبلدات فلسطين، وقد هجّرتهم إسرائيل من بيوتهم ومدنهم وقراهم قسراً وخوفا.
يعيش سكان المخيم على أراضي تعود ملكيتها إلى عائلة الحسيني الفلسطينية، حيث أقامت وكالة الغوث المخيم على هذه الأراضي المستأجرة، حيث تبلغ مساحة المخيم 1820 دونم.
ما تبقى من اللاجئين في المخيم ينحدرون من قرى فلسطينيّة عديدة منها دير النعام، عجور، المسمية، العباسية، بيت جبرين، تل الصافي، بيت دجن، يازو، كفر عانا وغيرها.
كما انتقل البعض من غير اللاجئين للعيش في أراضي المخيم من قطاع غزّة وغيرها .
ويعمل السكان اليوم بشكل رئيسي في الزراعة في وادي الأردن، أو في الوظائف الحكومية.
وفي الوقت الذي تعد فيه كافة المنازل مرتبطة بالبنية التحتية من كهرباء وصرف للمياه العادمة، إلا أن الأمن المائي يعد مشكلة رئيسة في هذه المنطقة الصحراوية الحارّة حيث يواجه السكان نقصا شديدا في المياه خلال الصيف مما يترتب عليه صعوبات جمة ، والأونروا تستطيع توفير القليل من الماء للمخيم من خلال ضخه من الينابيع المجاورة ، ولا يوجد نظام لتصريف مياه الامطار، وخلال أوقات المطر الشديد فإن المياه تغمر منازل السكان.
تزيد نسبة البطالة في المخيم عن 30%، وهي تتأثر نتيجة عدم إمكانية الوصول إلى سوق العمالة في المناطق المجاورة.
وهذا المخيم يثير الشجون ويعود بي ستون عاما للوراء عندما كنت في مرحلة الطفولة المبكِّرة وكانت البيوت تُبنى من الطين والتبن الذي كان بمثابة حديد التسليح لتلك الجبلة من الرمل والماء وكانت السقوف من الواح ومراين من الخشب تغطى بالطين واحيانا تغطّى بالواح الزينكو وتبنى بمعونة الأقارب والجيران واستبدلت الخيام إيذانا بضياع فلسطين التاريخيّة والإكتفاء بفلسطين الموجودة على الواح المدارس وكتب المثقّفين ونواميس الثورات السياسية والفصائل المسلّحة والأيدولوجيّة وخلافات الزعماء العرب واصبحنا جزءا من المملكة الأردنيّة الهاشميّة نحمل جنسيّتها وباسبورها ونحمل الولاء لقيادتها ودستورها وفي إطار التطور الطبيعي بدأ سكّان المخيّم في اوائل الستينات من القرن الماضي باستخدام الطوب الإسمنتي في البناء .
اتذكّر شوارع المخيّم غير المعبّدة وحنفيّات المياه العامّة ومركز توزيع المؤن والحائط الكبير الذي كانت تُعرض عليه الأفلام القديمة لقريد شوقي وغيره والوحدات الصحيّة المنفصلة والمنتشرة على مسافة من البيوت وذلك المجرى المائي المسمّى محليّا (العَمّال) وتجري فيه المياه التي يستعملها البعض لغسيل الملابس او التنظيف وما شابه ذلك وذلك الدوّار في مركز المخيّم الذي يتمركز قربه من يبيع البوزة والبرّاد والقريب من المقاهي وكان احدها يضم راديو يستمع فيه اللاجئون لخطابات عبد الناصر التي كانت ممنوعة ردحا من الزمن حيث كان يأتي مسؤول المخفر ابو وائل ويعاتب صاحب المقهى لسماعه لإذاعة صوت العرب واحيانا يستمعون لأغاني ام كلثوم ويشربون الشاي والكاكاو واتذكّر المقبرة وبيت ابو سيف الذي يربّي الأغنام الأبقار ويبيع الحليب او بيت ابو حسن الذي يصنع الكسبة ودبس التمر والسوق الذي يبيع المواد الغذائية والمنزليّة ومحل تصليح الأحذية .
كما كانت هناك جمعيّة الحصر التعاونيّة ودار الإخوان المسلمون بجوار الجامع الرئيسي في المخيّم وكانت جمعية الشابّات المسيحيّة YMCA وكذلك جمعيّة البر بابناء الشهداء التي درست فيه الصفوف الإبتدائيّة الثلاث الأولى من مسيرتي التعلُّميّة .
وكنت ارى الدوّار في مركز المخيّم من المظاهر الحضاريّة المهمّة حينه ولكن بعد زيارتي للمخيّم بعد ثلاثون عاما وجدت ان ذلك الدوّار يشبه الطنجرة الصغيرة فقط كما ان الجامع الجديد تم بناء جدرانه من الحجر كما تم بناء عدّة فلل ومساكن حديثة .
كان المخيّم للاجئين الفلسطينيّين وفي ارض فلسطينيّة ويمثِّل المأساة الفلسطينيّة بكل ابعادها ولكن ما كان يخفِّف وقع تلك المأساة ان الأردن الأخ والجار قد احتضن فلسطين ارضا وشعبا وباتت الضفّة الجناح الثاني له وبتنا اردنيّون ولاء وانتماء شرعا وقانونا وكان ما يميّز ذاك المخيّم بالإضافة لعدد قاطنيه الكثر انّه قريب من البحر الميّت وما يحتويه من مظاهر سياحة دينيّة وطبيعيّة حيث المغطس مكان تعميد سيدنا عيسى عليه السلام وخربة قمران ومكان قوم لوط وكذلك بالقرب من مكان ساحة النبي موسى عليه السلام وقريب من دير قرنطل ووادي القلط ومن مكان كهوف المكابي كما انه يقع في الطريق من عمّان الى القدس الشريف حيث مسرى سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام .
ومن الصفات الحميدة آن ذاك هو العدالة الإجتماعيّة النسبية التي كان يتمتع بها سكان المخيّم خاصة ان عدد الموظفين العاملين في القطاع العام هو عدد قليل نسبيا بالنسبة لعدد السكان فيه آنذاك بينما الغالبيّة هم من اللاجئين اللذين كانوا يعتمدون على مواد الإعاشة من وكالة غوث اللاجئين من طخين وارز وسكر وسمن ومعلبات السردين وغير ذلك من ضرورات العيش إضافة للمداخيل البسيطة من الأعمال الحرّة في القطاع الخاص .
احمد محمود سعيد
21 / 7 / 2015