ما تزال تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية التي بدأت في الولايات المتحدة والعالم العام 2008، مستمرة وفاعلة. وفي مختلف الدول، تجري محاولات حثيثة لانتشال الاقتصاد من الحفرة التي سقط فيها نتيجة الفساد المالي والإداري في البنوك والمؤسسات المالية العامة والخاصة في أميركا.
لقد رأى حكماء (؟) المال والاقتصاد في البنوك المركزية في العالم، أن تخفيض سعر الفائدة على الودائع هو أهم وسيلة للنهوض والانطلاق من جديد. لكن النتائج في كثير من البلدان التي وصل فيها التخفيض إلى الصفر أو أعلى قليلا، ليست مشجعة، بل العكس؛ إذ تقول هذه السياسة ضمناً للناس: إياكم والادخار في البنوك وإلاّ تآكلت مدخراتكم. إنكم تتعرضون لخسارة في قيمتها سنة بعد أخرى. وأفضل طريقة للاستفادة منها هي في الاستهلاك أو في العقارات.
ولعل عمارات المكاتب الفارغة تغطي حاجة الأردن منها لعقود قائمة. ومع هذا فتشييدها مستمر. لكن ما الحل محلياً إذا كانت الفائدة منخفضة جدا والادخار عاليا جداً -ربما للوافدين الهاربين من بلدانهم المنكوبة بالحرب الأهلية- والاستثمار لا يتسع ولا يزدهر.
ها هو البنك المركزي يخفّض سعر الفائدة للمرة السادسة تشجيعاً للإقراض والاستثمار. لكن الاقتراض الجاري هو للاستهلاك أكثر منه للاستثمار والإنتاج، فهل هو إقراض رشيد؟ وهل تلتزم البنوك بخفض سعر الفائدة للمقترض، أم أنها ستقصرها على المدّخر؟
والاستثمار لا يأتي بالقوة المرغوب فيها، لأن المسألة ليست مالية فقط، بل سياسية واجتماعية أيضاً. فالمستثمر الأجنبي ينظر في خريطة الشرق الأوسط فيجد الأردن في قلب منطقة ملتهبة فلا يأتي. كما تأتيه الأخبار والاستخبارات عن ضغوط السكان المحليين المجاورين للمصنع، لتوظيفهم أو لدعمهم على الرغم منه، أو زيادة عن حمولته القصوى فلا يأتي.
إن في الانخفاض الشديد لسعر الفائدة دعوة للناس إلى الاستهلاك، أو لاقتناء الأصول العينية، وبخاصة الأراضي والعقارات وسواهما. وفي الأردن، لا نرى نشاطا اقتصاديا أكبر وأسرع نموا من نشاط الإسكان ومياه الشرب المعبأة، ولا أرباحا أعلى في تاريخ البنوك من غير هذا النشاط. لأنه بينما تدفع البنوك للمدخرين على مدخراتهم فائدة صفرية أو أكثر قليلا، تحصل من مشتري المساكن أو الشقق أو السيارات على فائدة مركبة، أي أضعافا مضاعفة للفائدة التي تعطيها أو لا تعطيها للمودعين/ أصحاب الأموال التي تقرضها للمشترين.
هنا ينبهنا المفكر الاقتصادي المصري الألمعي د. شريف لطفي فيقول، في الأهرام الاقتصادي (13/11/1989): "إن النظرية الاقتصادية تفيد بأنه لو كان معدل الفائدة من الانخفاض بحيث يمثل غبناً لحق المدخر، فإن الأثر الاقتصادي لذلك هو انخفاض الحافز على الادخار واتجاه الجمهور (وهو المدخر الأكبر من جملة الأغنياء) إلى تفضيل زيادة حجم إنفاقه على الاستهلاك، مما يؤدي إلى عواقب وخيمة، تتمثل في نشوء التضخم وارتفاع الأسعار وزيادة الاستيراد، وضعف الصادرات، وعجز ميزان المدفوعات وتدهور قيمة العملة، وتراجع النمو الاقتصادي".
زيادة الاستهلاك، أو جنون الاستهلاك، مطلوب في البلدان التي يزيد إنتاجها عن استهلاكها، بل إنه في أميركا علامة على الانتعاش الاقتصادي، كما يتجلى في نظر "وول مارت". لكن في الأردن حيث الأمر بالعكس، هو يعيق النمو الاقتصادي، ويجعل معظم الناس مدينين للبنوك "حتى شوشتهم" بأقساط السيارة أو الشقة أو كليهما، بما لا يترك مجالا لهم لتلبية حاجات أساسية. لقد وصل الأمر ببعض البنوك إلى استعدادها لتقسيط ثمن السيارة لمدة ستة وتسعين شهرا، ولكثرة السيارات عجزت الشوارع والطرق عن الاستيعاب والحركة، فزاد استهلاك الطاقة، ولم يصل الموظف إلى مركز عمله في الوقت المحدد.
ينصح د. لطفي بتحديد سعر الفائدة حسب المستوى الاقتصادي المعقول. لكنه يحذر من رفع سعر الفائدة بأعلى منه، لأن تكلفة الفائدة على المقترض تصبح أعلى من عائدات الاستخدام الأمثل لهذه الأموال. وفي هذه الحالة، تؤدي إلى خسارة في المشروعات، وإلى عزوف المستثمرين عن الاستثمار. وعنده أن المستوى الاقتصادي هو مستوى تقديري، تشارك في تحديده السلطات الاقتصادية المختصة التي قد تخطئ أو تصيب فيه. وهو مستوى متغير وفقاً للظروف الاقتصادية، لكنه يرى أن المستوى الاقتصادي المعقول يعادل معدل التضخم، مضافا إليه 3 % إلى 4 %؛ فإذا كان معدل التضخم 5 % مثلاً، فإن سعر الفائدة الأفضل يكون 8 % - 9 % -
10 % - 11 % للمقترض، أي أعلى بنسبة2 % من سعر الفائدة للمودع.
لقد رأى حكماء (؟) المال والاقتصاد في البنوك المركزية في العالم، أن تخفيض سعر الفائدة على الودائع هو أهم وسيلة للنهوض والانطلاق من جديد. لكن النتائج في كثير من البلدان التي وصل فيها التخفيض إلى الصفر أو أعلى قليلا، ليست مشجعة، بل العكس؛ إذ تقول هذه السياسة ضمناً للناس: إياكم والادخار في البنوك وإلاّ تآكلت مدخراتكم. إنكم تتعرضون لخسارة في قيمتها سنة بعد أخرى. وأفضل طريقة للاستفادة منها هي في الاستهلاك أو في العقارات.
ولعل عمارات المكاتب الفارغة تغطي حاجة الأردن منها لعقود قائمة. ومع هذا فتشييدها مستمر. لكن ما الحل محلياً إذا كانت الفائدة منخفضة جدا والادخار عاليا جداً -ربما للوافدين الهاربين من بلدانهم المنكوبة بالحرب الأهلية- والاستثمار لا يتسع ولا يزدهر.
ها هو البنك المركزي يخفّض سعر الفائدة للمرة السادسة تشجيعاً للإقراض والاستثمار. لكن الاقتراض الجاري هو للاستهلاك أكثر منه للاستثمار والإنتاج، فهل هو إقراض رشيد؟ وهل تلتزم البنوك بخفض سعر الفائدة للمقترض، أم أنها ستقصرها على المدّخر؟
والاستثمار لا يأتي بالقوة المرغوب فيها، لأن المسألة ليست مالية فقط، بل سياسية واجتماعية أيضاً. فالمستثمر الأجنبي ينظر في خريطة الشرق الأوسط فيجد الأردن في قلب منطقة ملتهبة فلا يأتي. كما تأتيه الأخبار والاستخبارات عن ضغوط السكان المحليين المجاورين للمصنع، لتوظيفهم أو لدعمهم على الرغم منه، أو زيادة عن حمولته القصوى فلا يأتي.
إن في الانخفاض الشديد لسعر الفائدة دعوة للناس إلى الاستهلاك، أو لاقتناء الأصول العينية، وبخاصة الأراضي والعقارات وسواهما. وفي الأردن، لا نرى نشاطا اقتصاديا أكبر وأسرع نموا من نشاط الإسكان ومياه الشرب المعبأة، ولا أرباحا أعلى في تاريخ البنوك من غير هذا النشاط. لأنه بينما تدفع البنوك للمدخرين على مدخراتهم فائدة صفرية أو أكثر قليلا، تحصل من مشتري المساكن أو الشقق أو السيارات على فائدة مركبة، أي أضعافا مضاعفة للفائدة التي تعطيها أو لا تعطيها للمودعين/ أصحاب الأموال التي تقرضها للمشترين.
هنا ينبهنا المفكر الاقتصادي المصري الألمعي د. شريف لطفي فيقول، في الأهرام الاقتصادي (13/11/1989): "إن النظرية الاقتصادية تفيد بأنه لو كان معدل الفائدة من الانخفاض بحيث يمثل غبناً لحق المدخر، فإن الأثر الاقتصادي لذلك هو انخفاض الحافز على الادخار واتجاه الجمهور (وهو المدخر الأكبر من جملة الأغنياء) إلى تفضيل زيادة حجم إنفاقه على الاستهلاك، مما يؤدي إلى عواقب وخيمة، تتمثل في نشوء التضخم وارتفاع الأسعار وزيادة الاستيراد، وضعف الصادرات، وعجز ميزان المدفوعات وتدهور قيمة العملة، وتراجع النمو الاقتصادي".
زيادة الاستهلاك، أو جنون الاستهلاك، مطلوب في البلدان التي يزيد إنتاجها عن استهلاكها، بل إنه في أميركا علامة على الانتعاش الاقتصادي، كما يتجلى في نظر "وول مارت". لكن في الأردن حيث الأمر بالعكس، هو يعيق النمو الاقتصادي، ويجعل معظم الناس مدينين للبنوك "حتى شوشتهم" بأقساط السيارة أو الشقة أو كليهما، بما لا يترك مجالا لهم لتلبية حاجات أساسية. لقد وصل الأمر ببعض البنوك إلى استعدادها لتقسيط ثمن السيارة لمدة ستة وتسعين شهرا، ولكثرة السيارات عجزت الشوارع والطرق عن الاستيعاب والحركة، فزاد استهلاك الطاقة، ولم يصل الموظف إلى مركز عمله في الوقت المحدد.
ينصح د. لطفي بتحديد سعر الفائدة حسب المستوى الاقتصادي المعقول. لكنه يحذر من رفع سعر الفائدة بأعلى منه، لأن تكلفة الفائدة على المقترض تصبح أعلى من عائدات الاستخدام الأمثل لهذه الأموال. وفي هذه الحالة، تؤدي إلى خسارة في المشروعات، وإلى عزوف المستثمرين عن الاستثمار. وعنده أن المستوى الاقتصادي هو مستوى تقديري، تشارك في تحديده السلطات الاقتصادية المختصة التي قد تخطئ أو تصيب فيه. وهو مستوى متغير وفقاً للظروف الاقتصادية، لكنه يرى أن المستوى الاقتصادي المعقول يعادل معدل التضخم، مضافا إليه 3 % إلى 4 %؛ فإذا كان معدل التضخم 5 % مثلاً، فإن سعر الفائدة الأفضل يكون 8 % - 9 % -
10 % - 11 % للمقترض، أي أعلى بنسبة2 % من سعر الفائدة للمودع.