أخبار البلد- جميل النمري
كان اجتماعا حافلا، يوم أمس، في لجنة التربية والتعليم النيابية، على خلفية قضايا ساخنة؛ مثل التعيينات الأخيرة لرؤساء الجامعات، والانقلاب في مجلس التعليم العالي، وامتحانات السادس والتاسع والتوجيهي، وذلك بحضور رئيس الوزراء ووزير التربية والتعليم ووزير التعليم العالي ووزير الشؤون السياسية والبرلمانية.
المشكلة، غالبا، أن بعض القرارات الخلافية تبدو معزولة عن سياقها، وكأنها قرارات استثنائية متفردة ومزاجية للوزير.
ولنضع جانبا قضية رؤساء الجامعات ومجلس التعليم العالي، والتي قدم الرئيس توضيحات بشأنهما، ونذهب إلى القرار الذي أثار ردّة فعل عاصفة، ويقضي برفع الحد الأدنى لمعدلات القبول في الجامعات. فالأصل أن هذا القرار يأتي في إطار برنامج كامل لإصلاح التعليم العالي وتقليص التعليم الأكاديمي وتوسيع التعليم المهني. لكنه ظهر كخطوة منفردة، تعني حرمان الأبناء أصحاب المعدلات الأدنى من الالتحاق بالدراسة الجامعية، وإلقائهم إلى الشارع؛ وليس تقديم الرعاية الصحيحة لهم بضمان مستقبلهم في مجالات أخرى، مثل التعليم المهني الذي يمكن أن يؤمن لهم أيضا شهادة جامعية ومستقبلا أفضل، بدل الشهادات الأكاديمية المدفوع ثمنها غاليا، لكنها لا تساوي شيئا، ولا مستقبل لها في السوق. وهكذا، أثارت الخطوة/ القرار عاصفة من الاحتجاج، اتهمت وزير التعليم العالي باستهداف أبناء المناطق النائية والأقل حظا.
الآن، ليس واضحا كيف سينتهي القرار. فمن دون توضيحات للبدائل المجدية، لن يمر القرار. والتراجع عنه، في المقابل، يعني الاستسلام للضغوط، وبقاء القديم على قدمه، والتنازل عن مشروع الإصلاح؛ فكل ما يمس مكاسب متحققة، حتى لو كانت زائفة وغير مجدية، سيجد مقاومة ضارية اختبرت قدرتها على إخماد التغيير.
ولنأخذ على وجه الحصر مكرمة العشائر والمدارس الأقل حظا. إذ وعد الوزير بأن هناك مشروعا لتنظيم هذه المكرمة على طريقة مكرمة الجيش، لتُمنح المقاعد بدقة وشفافية لمستحقيها. وقد حذّر البعض وأنذر من المس بهذه المكرمة، لكن ما الغلط في إصلاح صيغة تدخل فيها الواسطة والمحسوبية طولا وعرضا، على حساب أبناء من هذه الفئة أنفسهم، قد يكونون أكثر استحقاقا، لكن ليس لديهم وسيط نافذ يزكيهم على غيرهم؟! وقد ذهب رئيس الوزراء بعيدا في طرح تصور للمستقبل، نتجاوز فيه نظام القبول الموحد كله، ويكون لكل جامعة مباشرة نظام قبولها الخاص، في إطار التنويع والتخصص للجامعات، فلا تكون نسخا كربونية متماثلة. وقد يكون تصور الرئيس حلما للمستقبل، لكن يجب أن تظهر إلى العلن الآن خطة متكاملة ومرحلة لإصلاح شامل للتعليم العالي، حتى لا تظهر أي خطوة كقرار منفرد يسلب امتيازات أو يستهدف جهات، بل كتطوير يقدم البدائل ولمصلحة الجميع. من دون ذلك، فإن كل خطوة منفردة ستجد متضررين ينبرون للتصدي لها، وقوى شدّ عكسي تجد السند الشعبي والنيابي لردّ الإصلاح وإبقاء القديم على قدمه.
رئيس اللجنة النيابية قدم لائحة طويلة جدا من الملاحظات؛ ابتداء من امتحان الصفين السادس والتاسع، مرورا بالتوجيهي وصعوبات الأسئلة والغش والعقوبات، وانتهاء بتعيين رؤساء الجامعات وتغيير مجلس التعليم العالي. وتولى رئيس الوزراء الرد على بعض الملاحظات، وقدم في الأثناء الحماية والدعم لوزيره للتعليم العالي الذي تعرض لحملة قاسية. لكن لم يتسع الوقت لمناقشة الملفات الكثيرة والشائكة. ومن المؤكد أن جلسات قادمة مخصصة لملف إصلاح التعليم العالي يجب أن تبدأ. وفي تقديري أن ما لدى الوزارة حتى الآن هو أفكار ومقترحات تقلبت بين الوزراء الذين تعاقبوا في عهد هذه الحكومة. والشيء الأمثل هو أن تخضع هذه الأفكار والمقترحات للتداول والنقاش العلني مع مجلس النواب، لتثبيت خطة مقررة ومتفق عليها.
بقي النقاش الساخن حول ملفات التربية والتعليم، ونتركه لحديث لاحق.