أخبار البلد-
«المدفع» في رمضان تقليد مملوكي، يبدو أن الأردنيين هذا العام يصومون ويفطرون دون سماع أصوات مدافع رمضان، والتي جرت العادة على إطلاقها لإبلاغ الصائمين عن موعدي السحور» الإمساك « والإفطار خلال أيام الشهر الفضيل.
«مدفع رمضان « من العادات المتوارثة ذات المنشأ المملوكي، والتي التصقت كغيرها في مظاهر رمضان الدينية والروحانية والاجتماعية بالذاكرة الجمعوية وطقوس حياتهم وعاداتهم وتقاليدهم، ورغم التطورات ومظاهر التحضر التي أصابت أساليب العيش، إلا أن بعضا منها بقي ماثلاً في الذاكرة.
حتى وقت قريب، كان الصائمون لا يفطرون إلا على أصوات المدافع، ومظاهر اطلاق المدفع كانت من عادات الشهر الفضيل، فلم تكن مكبرات الصوت في المساجد موجودة كما هو الحال اليوم، ووسائل الاتصال من «راديو وتلفزيون» كانت محدودة الانتشار، بل معدومة في بعض مناطق الأطراف «المحافظات « المحرومة والبائسة بالجفاء والتهميش، لذا فإن الاعتماد الرئيس يكون على صوت المدفع عند حلول وقتي الإمساك والإفطار.
المدافع الموجودة في مدن أردنية عديدة موروثة من عهد الحكم العثماني، وتتموضع في «مدن القلاع» داخل حدود أسوارها، وتُنصب المدافع عادة فوق مكان مرتفع في فضاء القلعة، ليكون لصوتها دوي يوصل رسائل الصوم الإمساك والإفطار الى جمهور الصائمين على امتداد وجودهم.
في رمضان يبدو الإحساس بصوت المدفع مختلفا، خاصة خلال فترة الغروب حيث تنعدم الحركة وتسود حالة من السكون لمجال المدينة العام خلافا لما يجري في الاوقات العادية، في عمان مثالا، تنصب مدافع رمضان في جبل القلعة، واعتاد -بحسب ما يروي أهالي مرج الحمام وصويلح وهي مناطق بعيدة لحد ما - الإفطار عند سماعها.
مدافع رمضان لم تُطلق هذا العام، ويبدو أن هذا الطقس الرمضاني الجميل والدافئ والمشحون بالرمزية والدلالة الدينية الحضارية سيمحى -عنوة- من ذاكرة الصائمين. مع اختفاء المدفع فإن صوته قد أسكت أيضا، وما أحوجنا اليوم لسماعه والعقول والنفوس تشمئز وتزدري من حداثة ومدنية واهنة ومصطنعة وكاذبة ومخادعة تلف الحياة من حولنا.