تصريحات مدير الدائرة الأمنية في وزارة حرب إسرائيل، عاموس جلعاد، أن "سورية لم تعد قائمة" أكد ما سكن في الذاكرة منذ زمن طويل، في أن قادة إسرائيل ومفكريها واستراتيجييها، ما زالوا يتابعون حلمهم بقيام إمبراطوريتهم في منطقتنا، بعد تفكيك دولها-دولة دولة- والقضاء عليها. لقد وضعوا خططا كثيرة لذلك بأسماء مثل "الغموض القاتل- مايكل كاجان. أو "الفوضى الخلاقة" – كوندوليسا رايس؛ وال(Plan Y-)، "استراتيجية إسرائيل/ ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي" للعسكري والصحافي الإسرائيلي الجنرال أوديد يينون؛ أو الانقطاع الكامل (Clean Break) لجاك بيرل أيام جورج بوش الابن، الذي قدم لبنيامين نتنياهو سنة 1996. وغيرها كثير. ومنها ما أصدره المؤتمر الصهيوني الدولي الذي عقد في ألمانيا سنة 1973، من خرائط للشرق الأوسط العربي غربي قارة آسيا، وأظن أن ملفات وزارة خارجيتنا تحتوي على تقرير مفصل حول ذلك.
تنطلق كل هذه المشاريع من قاعدة ديمغرافية واحدة، وهي أن دول المنطقة تتشكل من مكونات طائفية وعرقية ودينية ومذهبية متعادية تعمل كل منها على تأمين وجودها ولو بالتحالف مع قوى خارج المنطقة إذا لزم الأمر. ثمة "غموض قاتل" يسم العلاقات فيما بينها. كل ما يحتاجه الأمر هو إثارة هذه المخاوف الكامنة والقذف بها إلى الساحة. وهي بحوث تعتد، كلها، رؤية أن أغلب دول المنطقة مجرد "بيوت كرتون" قابلة للاحتراق عند ملامستها أي لسان من نار ما يكاد يمسك بأي طرف منها حتى يأتي عليها كلها. قيام مثل هذه الحالة هو الشرط اللازم لنجاح إسرائيل في تحقيق طموحاتها في المنطقة. كثير مما ذكرت أعلاه تناولته، بشكل أو بآخر، الكاتبة والشاعرة البريطانية "جوان ماريا ماكناللي" في كتابها الذي بدأته في عمان منذ سنة 2013 تحت عنوان "حَصدُ فلسطين،" وذلك بعد منع إسرائيل لها من العودة لأصحابها الفلسطينيين الذين آمنت بعدالة قضيتهم وكتبت الكثير للدفاع عنها، كما لو كانت واحدة من أنشط متطوعات الحملة العالمية على إسرائيل المعروفة بال(BDS.) لا بد أن عاموس جلعاد كان يفكر بكل ذلك، وهو يرى مشروع إسرائيل في بناء إمبراطوريتها في المنطقة يكاد يوضع موضع التنفيذ في سورية، أولا، التي برأيه، لم تعد قائمة. لم يكن يتشفى بنا. هو لا يحتاج ذلك، بالتأكيد!! بل كان سعيدا بتطورات الحال السورية لصالحه، بما يحقق نبوءات رفاقه. أما نحن فيأخذنا الغضب كل مأخذ. ونتساءل دائما عما إذا كان هؤلاء المتقاتلون في سورية، بمن فيهم بشار الأسد، نفسه، ليسوا أكثر من طابور خامس إسرائيلي قذف بهم وراء خطوطنا. لقد اشتعلت سورية، أمام أعيننا، كبيت من كرتون؛ ولم يكن ما أشعلها عود ثقاب، بل براميل متفجرة تلقى على المدنيين الأبرياء، كما لو كانت لا تستهدف إنجازاتهم وبناءات دولتهم الناجحة وحسب، بل بالأساس، أي قرار لهم بالحفاظ على الدولة السورية نظاما وشعبا وأرضا، وكيانا سياسيا متماسكا؛ وتركها تتحول إلى دويلات صغيرة لا حل لمشاكلها وأمنها إلا بالبحث عن حماية أجنبية، يعلمون أن إسرائيل تعد نفسها لها منذ أكثر من قرن من الزمن. هذه الحقائق بالغة الفظاعة لا تبقي لكل العرب والسوريين منهم، بشكل خاص، غير أن يبدأوا، أولا، بالاعتراف الشجاع بأن سورية الدولة لم تعد قائمة. فالنظام ينهزم وتنهزم معه سيادة القانون ووحدة الشعب والأرض، والأمل بالعودة لما كان من قبل. وكل المتقاتلين، هناك، بمن فيهم، وعلى رأسهم، نظامها السياسي الطائفي، يفعلون ذلك خارج الشرعية السياسية والأخلاقية والدينية؛ لذا لا بد لهم جميعا من التوقف ومغادرة الأرض. على سورية أن تأخذ فرصتها وتشرع ببناء نفسها ووطنها من جديد. محادثات القاهرة 2 وعمان، وباريس، يجب أن تتوجه، جميعها، نحو هذه الغاية وذلك بإسقاط كل ما لا يريده السوريون، وإقناع قوى السلام الدولية بضرورة التعاون لتحقيق هذا الهدف. ثانيا، أن يطلب من الجيش السوري علنا، وبتوافق تام، عربي وإقليمي ودولي، وسوري، إذا أمكن، القيام بانقلاب عسكري كما اعتادت سورية أن تفعل من قبل لوضع حد فوري لهذا الجنون. وأن توافق دول من أصحاب القرار على عمل عسكري ما، عربي- ودولي، مثل القوات المشتركة المقترحة للمساعدة في ذلك، وبمدى زمني منتج. ثالثا، أن تقوم الجامعة العربية، وبجهد مشترك، لحماية الدولة الوطنية من التدخل الخارجي، وبالتعاون مع الأمم المتحدة، ولو عبر قوات خاصة عربية ودولية لحفظ السلام في كل دولة تتعرض لمثل ذلك. فما يحدث مؤامرة خطيرة تحول المنطقة كلها لبؤرة موبوءة لا تشكل خطرا على دولها وشعوبها، وحسب، بل ستشكل، بكل تأكيد، تهديدا خطيرا ومتصلا للأمن والسلم العالميين داخل المنطقة وخارجها.