أخبار البلد- جهاد المنسي
أثبتت تجربة الامتحانات التحصيلية التي أجرتها وزارة التربية والتعليم للصفين التاسع والسادس فشلها، وباتت الامتحانات التي أريد لها أن تكون اختبارا لمستوى الطالب والمدرسة والمعلم، مجال سخرية على مواقع التواصل الاجتماعي بكافة أشكالها.
للأسف ما جرى خلال الأيام الماضية إبان تقديم الطلبة للمواد التي تشملها الامتحانات التحصيلية وتسريب الأسئلة، كان كارثة تعليمية بكل المقاييس، انعكست سلبا على الطلاب بشكل عام، وستكون لها انعكاسات ارتدادية على الوزارة أيضا.
لا يكفي أن تعترف الوزارة أن الامتحانات سربت مسبقا، وأن تضع المسؤولية على عاتق معلم ما أو مدرسة أو موظف، وإنما على الوزارة أن تكون أكثر شفافية، وتعترف بفشل التجربة من ألفها إلى يائها، وهذا الفشل بدأ يظهر قبل بدء الامتحانات بأيام وتجلى بعد أن تراجعت الوزارة عن طريقة التصحيح والمراقبة وأوكلت المهمة للمدرسة التي يجري فيها الامتحان، ثم جاءت الصاعقة بالتسريب.
ما جرى أننا أفسدنا جيلا كاملا كنا نقول له صباح مساء (من غشنا ليس منا)، ثم بعد ذلك تفاجأ الطلاب ببعض معلميهم ومديري مدارسهم يقومون بواجب الغش عنهم، فيما كان طرف آخر يحصل على الأسئلة والأجوبة المسربة دون عناء عبر وسائل التواصل الاجتماعي وخاصة عبر تطبيق (واتساب).
وزارة التربية باعتبارها مسؤولة عن كل ما يجري في المدارس وعن المعلمين والموظفين وغيرهم ساوت بين الطالب المجتهد الذي قضى أياما وأياما وهو يدرس استعدادا للامتحان الوزاري وبين الطالب صاحب العلامات المتدنية الذي وصلت إليه الأسئلة والأجوبة، فأجاب عنها، فحصل على علامة كاملة ومرتفعة، ما من شأنه أن يؤثر على خاصية التنافس بين الطلبة ويجعل المجتهد يدفع جريرة رعونة الوزارة وقساوة عقلها، وإصرار وزيرها على الامتحان دون النظر لما يجري.
القصة لا تقف عند الاعتراف بأن الامتحانات سُرّبت، صحيح أنه اعتراف إيجابي، ولكن المطلوب أيضا الاعتراف بأن الطريقة التي اجترعتها الوزارة لمعرفة مستويات الطلبة لم تكن ناجعة ومفيدة وهذا يتطلب أن يعترف الوزير بذلك، ويعلن فورا دون تردد وقف مثل هكذا امتحانات مستقبلا والبحث عن وسائل أخرى حتى لو كانت بكلف مالية أعلى.
أيعقل أن تباع أوراق الامتحانات بدينار ونصف، وتصل الأسئلة لبعض الطلبة قبل الامتحانات بيوم أو يومين؟!، أيعقل أن تكون البنية الأخلاقية لدينا مثقوبة لهذا الحد؟!، أيعقل أن تبقى وزارة التربية والتعليم واقفة تتفرج على ما يحدث دون أن تحرك ساكنا وتستمر في إجراء امتحانات تعرف مسبقا أنها سربت؟!.
أيضا لا يعقل أن تأخذ نقابة المعلمين دور المتفرج، فالنقابة قبل أن تحمّل الوزارة مسؤولية ما يحدث، وتتقاذف الاتهامات معها، وتعلق الأخطاء عليها، يتوجب منها الدخول في شراكة حقيقية مع الوزارة، شراكة تقوم على الثقة لجهة رفع سوية التعليم والطالب، فمن سرب الأسئلة يمكن أن يكون معلما، وهذا يضع النقابة أمام مسؤولية أخلاقية يتوجب أن لا تتهرب من تحملها، فالمسؤولية مشتركة على الجميع والنقابة تتحمل جزءا من المسؤولية الأخلاقية، وهي التي عليها المطالبة بإيقاع عقوبات بحق من سولت لهم أنفسهم اللعب بمصير الطلاب، وأن لا يكون هدفها فقط الدفاع عن المعلم مهما كانت جريرته.
الجميع يتحمل المسؤولية، وأكثر من يتحملها وزير التربية التعليم الذي أصر على إجراء الامتحانات ضاربا عرض الحائط بكل وجهات النظر التي قيلت حوله، وبحكم أنه الرجل الأول في الوزارة فإن مسؤوليته مضاعفة، ولا يعني الاعتراف بالتسريب أن المسؤولية انتفت أو يتوجب التعامل معها كأنها لم تكن.
ما حصل ضرب لمنظومة الأخلاق عند جيل ناشئ من المفترض أن نعلمه الصدق والأمانة وليس أن نعلمه الغش وطرقه المختلفة، ونقدم له نموذجا مشوها في التربية التعليم.
هي همسة في إذن الوزير، همسة لعله ينتبه لما يحدث، ويتريث قليلا في المستقبل قبل اتخاذ إجراءات قد تنعكس سلبا على الجيل الناشئ.