أخبار البلد - محمد ابو رمان
تكشف رسالة النائب فاتن خليفات إلى رئيس الوزراء ورئيسي مجلسي النواب والأعيان، خلفية قرار الحجز التحفظي الذي أصدره مدعي عام هيئة مكافحة الفساد على أموال كثير من أصحاب المنشآت الاقتصادية وبيع الآجل في محافظة وادي موسى، بسبب وجود شبهات رصدتها وحدة غسل الأموال في البنك المركزي، نتيجة رصد حركة غير طبيعية بعد تداول أموال بمبالغ عالية.
وفقاً للمعلومات المتداولة، فإنّ عدداً من الأشخاص بدأوا قبل ثلاثة أعوام تقريباً بما يسمى تجارة الآجل؛ إذ يقومون بشراء سيارات مستعملة بأسعار تفوق قيمتها بنسب كبيرة، تصل إلى 30-40 %، بشيكات مؤجلة، لكنّها محققة الدفع. ونتيجة لسير العملية بانتظام، فإنّ كثيراً من المواطنين أقبلوا على هؤلاء الأشخاص، ليحصلوا على أرباح سريعة، فظهرت معارض ضخمة للسيارات، وبدأ كثير من الناس يرهن عقاراته ويبيع ممتلكاته من أجل الحصول على "الربح السريع"، حتى توسعت قائمة المتعاملين مع هؤلاء الأشخاص ووصلت إلى أغلب محافظات الجنوب والبادية، كما تذكر النائب خليفات في رسالتها!
بعد قرار الحجز التحفّظي، احتجّ الأهالي بشدة، خشية من خسارة أموالهم التي ما تزال بيد الأشخاص الذين تمّ التحفظ على أموالهم. ويطالب نواب المنطقة برفع الحظر إلى حين يقوم هؤلاء الأشخاص بصرف شيكات المواطنين وإعادة أموالهم، خشيةً من تكرار سيناريو البورصات الوهمية (تذكرونه جيداً!)، حين خسر كثير من المواطنين تحويشات العمر وعقاراتهم وممتلكاتهم.
بالطبع، انعكس القرار الأخير على الشارع في وادي موسى، إذ خرجت احتجاجات أمس من المتضررين، واعتقل الأمن عدداً من الأشخاص المشاركين فيها. وبدأت الأزمة تتدحرج، والقلق يساور الناس من أنّهم أصبحوا ضحية جديدة لتجارة الأوهام وأحلام الربح السريع الخاطف!
القضية برمتها أمام القضاء، ولا نملك الدخول في التفاصيل أو استباق النتائج والأحكام. لكن بيت القصيد أننا نشتمّ رائحة سيناريو البورصات الوهمية نفسه؛ إذ يطلق على هذه القضية مسمى "بورصات وادي موسى-العقبة".
المفارقة أنّ الشارع الأردني لم ينسَ بعد قصة البورصات الوهمية، التي أفقرت آلاف العائلات، وخربت بيوت كثير من الناس، وهم يسعون وراء الربح السريع! لكن من الخطأ افتراض السذاجة أو البساطة في أغلب من تعاملوا مع هؤلاء الأشخاص. فمثل هذه القصة والفورة المالية والظهور المفاجئ لتجارة سحرية مرة واحدة، يحمل في طيّاته علامات استفهام بدهية، لكن، للأسف، صار هاجس كثير من الناس هو الربح وتحصيل الأموال، من دون التفكير في العواقب أو الجانب القانوني أو حتى القيمي والأخلاقي، وهي "المأساة" نفسها التي وقع في حبائلها من ركضوا وراء سراب البورصات الوهمية.
الشق الآخر من القضية، يتعلّق بدور المسؤولين والأجهزة المعنية، وحاسة الاستشعار لدى الدولة. فكما تقول النائب خليفات، هذه قضية عمرها ثلاثة أعوام، فماذا كان يفعل المسؤولون؟! ألم يخطر ببالهم أنّ سيناريو كارثيا من الممكن أن يتكرر؟! ألم يخطر ببالهم البحث والتحري والتدقيق، بخاصة أنّ مشهد البورصات الوهمية لم يكد ينتهي بعد؟! ألا تقتضي المسؤولية الأدبية والأخلاقية مساءلة هؤلاء المسؤولين ومحاسبتهم؟!
لماذا صدّق الناس أوهاماً اشتروا مثلها من قبل؟! ولماذا لم يحرّك المسؤولون المعنيون ساكناً قبل أن تكبر الظاهرة إلى هذا الحدّ؟! هل هي أسئلة أخلاقية، أم ثقافية، أم سياسية، أم اقتصادية؟! لكن على قاعدة "شرّ البلية"، فإن ما نتمناه ألا يكون "التسونامي" نفسه الذي عصف بمدخرات وممتلكات شريحة واسعة في الشمال قبل أعوام، قد وصل إلى الجنوب اليوم!