أخبار البلد - فهد الخيطان
هل تكون جريمة القتل النكراء للطبيب محمد أبو ريشة، نقطة التحول في مسلسل لا ينتهي من الاعتداءات المتكررة على الأطباء؟
نطرح هذا السؤال وفي البال العشرات من حوادث الاعتداء على الأطباء والممرضين، لكنها لم تصل إلى حد القتل، كما حصل للطبيب أبو ريشة.
في تفاصيل الجريمة دلالات خطيرة، ينبغي التوقف عندها؛ فالقاتل عاقب الطبيب الضحية لمجرد أنه قرر اللجوء إلى القانون لضمان عدم التعرض له في المستقبل، فكان مصيره القتل أمام منزله.
هذه رسالة بالغة الأهمية للدولة والجهات المعنية بتطبيق القانون. المتهم هنا ارتكب جريمتين؛ جريمة إزهاق روح الطبيب، وجريمة تحدي سلطة القانون التي استجار بها الطبيب.
لا تكفي محاكمة المتهم على جريمة القتل؛ ذلك إجراء طبيعي، وحق أصيل للضحية. ينبغي، في الوقت نفسه، حماية حق الناس في اللجوء إلى سلطة القانون إذا ما تعرضوا لتهديد، لأن البعض سيبدأ يفكر في العواقب قبل التوجه للمركز الأمني للتبليغ عن اعتداء تعرض له، أو تهديد وشيك لحياته، من طرف مجرم أو صاحب سوابق.
لا بد أن كثيرين قد طالعوا قصة زميلنا في"الغد" الكاتب سامر خير، الذي تعرض لتهديد ومطاردة من أحد الأشخاص، ولم يجد جهة تحميه أو تحفظ حقه، بسبب ثغرة في القانون تسمح لأي بلطجي أن يلبس ثوب الضحية، ويفلت من العقاب.
في مجال تطبيق القانون وفرض سلطته، لم ننجح بعد في إحداث فرق جوهري. ما تزال الرغبة الجامحة بتحدي سلطة القانون، تتفوق على إدراك العواقب المترتبة عليها.
لاحظوا ما يحدث في الجامعات؛ فبالرغم من تشديد العقوبات على المتورطين في المشاجرات الجامعية، إلا أن مظاهر العنف الجامعي مستمرة، وبالوتيرة نفسها في بعض الجامعات الحكومية.
وفيما يخص الأطباء والمعلمين، اتخذت عدة إجراءات قانونية وإدارية لرفع كلفة الاعتداءات على المعتدين، غير أنها لا تبدو كافية لخلق حالة الردع، والتحسب من العقوبات.
أكثر من ذلك؛ لقد أرادت الدولة من وراء قرارها تفعيل عقوبة الإعدام، تحقيق حالة الردع هذه، والحد من جرائم القتل. ليس لدينا بيانات دقيقة للمقارنة، لكن من المؤشرات المتاحة، لا يظهر هناك أثر كبير لتطبيق عقوبة الإعدام على معدلات الجريمة.
ربما من المبكر الحكم على أثر وجدوى سياسة تشديد العقوبات، وفرض سلطة القانون. وقد نحتاج لمزيد من الوقت حتى تستقر القناعة لدى أغلبية المواطنين بأن فرض سلطة القانون سياسة ثابتة ودائمة، وليست مجرد فزعة كما كان يحدث في سنوات سابقة. لأن قطاعا عريضا من الناس العاديين ما يزال يعتقد أن بالإمكان تحدي سلطة القانون، والإفلات من العقاب في الوقت ذاته. وهذا ليس خيالا أو فكرة مبتدعة، وإنما حقيقة راسخة في الإذهان. وهي في محلها بالفعل.
الطريق للوصول إلى نقطة التحول؛ نقطة اللاعودة عن تطبيق القانون، وفرض سيادته على الجميع، ما تزال طريقاً طويلة. نحن في بداية الطريق، وستواجهنا عقبات كبيرة؛ مجتمعية ورسمية، وقوى شد عكسي مستفيدة من تنازل الدولة عن سلطتها لمجاميع اجتماعية. المهم أن نمضي من دون تردد أو رضوخ لمحاولات ثنينا عن المسار.
جميعنا يأمل أن يشكل دم الطبيب الطاهر محمد أبو ريشة حافزا لجعل سلطة القانون فوق الجميع. ولتكن هذه لحظة تضامن مع جميع أطباء الأردن وممرضيه ومعلميه، نعاهدهم فيها بأن لا نسمح بعد اليوم بإهانة كرامتهم أو الاعتداء عليهم.