تمتلك الدول وسائل تمنح من خلالها للرأي العام والمجتمع عموما أحقية إمعان النظر في مدى توافر الأولويات مما يهيئ مجالا رحبا لإقامة مؤسسات أكثر قدرة على المتابعة والاستمرارية وفق إطار قانوني ثابت من حوله الكثير من التغيرات الدولية التي تدور حوله وتعود إليه وتستقر عنده، ويدخل ضمن المحددات الثابتة لمفهوم الحكم الراشد أو الحكم الصالح الذي يمس عمل السلطة السياسية لإدارة شؤون البلاد وعلى جميع المستويات لتحقيق مصلحة الجميع وفق القانون وعلى أساس سيادته فيها، ويأتي معنى الحكم الراشد في تحقيق الغاية المثالية التي تهدف إليها سلطة الدولة من خلال الكثير من الإصلاحات الدستورية وفق أسس اقتصادية أو اجتماعية، أو سياسية أو قانونية لما نلمسها من واقع عمل السلطة القابضة على السلطة التي تعمل على إيجاد القرار المناسب في الوقت المناسب.
يتبع توفر صلاحية الحكم من عدمه بارتباطات جوهرية تمثل الهيكلية الوظيفية لعمل السلطة داخل الدولة وفق معايير ثابتة أهمها تحقيق المصلحة العامة، وتوفير الأجواء المناسبة لإبداء الرأي وخلق مساحة واسعة لحرية الإعلام.
ويمكن أن نتنبه إلى عدة صيغ وتفاعلات ذات مساس وتأثير في مدى توفر الحكم الراشد من عدمه ومنها صيغ التفاعلات القانونية.
حيث يرى أن " الحكم الصالح هو العامل الأهم الذي يمكن من محاربة الفقر وتعزيز التنمية "، وعلى هذا يسعى نموذج التنمية المستدامة والمرتكزة على منظومة الحكم الصالح إلى توسعة خيارات جميع فئات المجتمع، بما في ذلك الفئات الأكثر تهميشا مثل النساء والفقراء، مع الإهتمام في نفس الوقت بحق الأجيال القادمة في حياة كريمة، لكن مع التشديد على تحقيق قدر أكبر من الدمج بين المجالات الإقتصادية والسياسية والاجتماعية في إطار قانوني واحد، وعلى مشاركة أكبر للقوى الفاعلة كما أن مقاربة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الواردة في تقارير التنمية الإنسانية العربية المتعاقبة، تقوم على دمج أهداف الحكم الراشد مع نموذج التنمية البشرية المستدامة.
الحكم الراشد يتطلب عدم استبعاد أي عنصر من النشاط الإنساني في خدمة التنمية وأصبح هذا الحكم يشكل أحد الأحداث الملاحظة في التطور الحديث، بحيث أصبحت السلطة السياسية تحقق مكاسب أكبر من قبل في خدمة هذا الهدف ومن أجله لذلك فهي تعطي التضمينات والوعود، وتعمل ببعضها أو بجميعها في بعض الأحيان كي توفر أساسيات ولبنات الحكم الراشد أو بديات متواضعة له كحد أدنى في المسار الصحيح.
إلا أنه نجد محددات للحكم الراشد والمتمثلة في:
هناك مدرستان لمفهوم الحكم الراشد، الأولى ترى أنه يعبر عن نوعية نظام الحكم وأسلوب صنع السياسة، التي تشتمل على نفس القواعد الأساسية المألوفة للديمقراطية، مثل سيادة القانون، التعددية السياسية والاجتماعية والتسامح والتعبير الحر، حريات وحقوق المواطنة، وبالتالي فهو أقرب إلى كونه مجرد " صياغة حديثة لمبادئ مستقرة ".
أما المدرسة الثانية فتعتبر المفهوم عنوانا لمنظومة أساليب وخطوات الإصلاح السياسي والاجتماعي ككل، مثل اعتماد آليات المحاسبة في مواجهة السلطات العامة. والمطالبة بتوفير مظاهر الشفافية في مؤسسات صنع القرار، وتقييم نوعية الحكم من زاوية الالتزام بسيادة القانون وقدرته على تعزيز
الفرص والميل إلى المشاركة، واحترام حقوق الإنسان ومكافحة الفساد. أي أنه محاولة لوضع تعريف لمفاهيم كلية ومؤسسات وأطر سياسية معقدة، مثل البرلمان والحكومة.
ومن خلال نظرة بسيطة إلى كلا المدرستين نجد أن الاتفاق فيما بينهما أكثر توافرا من الاختلاف من خلال مبدأ سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان والمشاركة وغيرها من الأمور وبالتالي فهذا يدل على مدى تقارب مدرستي الحكم الراشد من بعضها في نقاط جوهرية وإنكارهما لبعض الأمور الهامشية التي لا تؤثر في هيكلة الحكم الراشد أو معيار تحققه على أرض الواقع، فضلا عن هاتين المدرستين فإن المنظمات الدولية قد وضعت معايير تنتسب في بعضها إلى المدرسة الأولى أو الثانية أو كليهما في التمييز بين الحكم الراشد في العملية السياسية،
ومن هذا نستطيع القول أن هناك مجموعة من المعايير القانونية المعبرة في واقع الأمر عن إشكالية واضحة في البناء السياسي أو الأولي لهيكلة الحكم الراشد علي أساس مدي توفر هذه المحددات أو المعايير في الواقع القانوني لسلطة الدولة،ولذلك يمكن القول إن هذه المحددات هي الأساس أو المقياس القانوني لمدى أهلية الحكم الراشد من خلال توفرها مجتمعة بصورة عملية ليست نصا جامدا في صلب الدستور تنتظر التفعيل والعمل، بل يجب أن تكون فاعلة في الواقعين القانوني و السياسي حتى يمكن أن نحكم على عمل السلطة السياسية بأنه يمتلك مقومات الحكم الراشد من خلال بيان الآتي :
1. – علاقة السلطة السياسية بالقانون .
2. – الفعالية القانونية للمؤسسات التشريعية و التنفيذية.
3. – النظام القضائي.
آليات الحكم الراشد
الشفافية: وهي أهم خصائص الحكم الراشد، وتعني إتاحة كل المعلومات وسهولة تبادلها بأن تكون متاحة لكافة المؤسسات ولجميع الأطراف المعنية، وأن تكون الحسابات االعامة متاحة بصورة مباشرة، وأن تتوفر معلومات كافية وشاملة ومنظمة عن عمل المؤسسة وأدائها لكي يسهل رقابتها ومتابعتها، إذن الشفافية هي تدفق المعلومات الإقتصادية والإجتماعية والشفافية والسياسية الشاملة في الوقت المناسب وبطريقة يمكن الإعمتاد عليها،