أخبار البلد - ايمن الصفدي
تستضيف المملكة خلال أيامٍ المنتدى الاقتصادي العالمي. قادةٌ سياسيون واقتصاديون ورجال أعمالٍ من المنطقة وخارجها سيشاركون في المنتدى، الذي سيشهد توقيعَ اتفاقياتِ مشاريعٍ ببلايين الدولارات.
هذا الحضور القوي في المنتدى يُقدّم مؤشراً إضافياً على ثقة المجتمع الدولي بالأردن. هو إعلانٌ جديدٌ أنّ المملكة دولةٌ مستقرةٌ آمنة، ميّزت نفسها عن محيطها المضطرب بنهجها الإصلاحي التحديثي، الذي يتحدث لغة العصر ويستوعب ضروراته.
وتلك ثقةٌ مستحقة.
على مدى السنوات الماضية التي وضعت معظم دول المنطقة أمام امتحاناتٍ ومحنٍ غير مسبوقة، راقب العالم الأردن وقاسَ مدى صلابة تركيبته السياسية والاجتماعية. بعضٌ ظنّ البلدَ كياناً ركيكاً موشكاً على السقوط في أتونات الضياع التي حرقت جواره، فيما دفع بعضٌ آخر باتجاه هذا المآل.
لكنّ الأردن أثبت صلابةَ معدنه. الأردنيون التفّوا حول وطنهم وحصّنوه ضدّ تداعيات المرحلة. كانت وطنيتهم وهويتهم الثقافية الوسطية السلمية أقوى من إغواءات الشعاراتية الشعبوية. وكان النظام، وعلى رأسه جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، منسجماً مع إرثه المستنير القائم على وضع مصالح الشعب والوطن فوق كل اعتبار.
التقى الشعب والملك على ضرورة الإصلاح والتحديث بالوتيرة التي تبني على منجزات الماضي، لا بالتسرّع الذي يهدمها. فقدت الشعاراتية بريقَها أمامَ منطقية الرؤية وصلابة طروحاتها.
وبينما سقط آخرون في حرائقِ جهلهم وسلطويتهم وقمعهم، ارتقى الأردن إلى مرحلةٍ جديدةٍ من البناء والإنجاز عبرَ مسارٍ إصلاحيٍ واضحِ الوجهة اجتمعَ عليه النظام وأكثرية المواطنين.
رأى العالم ذلك. وبدّل كثيرون الفرضيات التي بنوا عليها توجهاتهم وسياساتهم إزاء المملكة. أثبت الأردن أنه بنيانٌ قويٌ ثابتٌ وصوتٌ للعقل يقدّم أنموذج الإصلاح النافع الذي تحتاجه المنطقة وشعوبها. وسط صحراءِ الفشلِ واليأس التي صارتها عديد دولٍ عربية، ثبت الأردن أرضاً خصبةً للنجاح والأمل.
في هذا، بالطبعِ، سببٌ للاستمرار في النهج الإصلاحي لا ذريعةٌ لوقفه. ما تزال التحديات كثيرة. الإصلاحات بعضها تعثّر وجزءٌ منها ينتظر أن يكتمل. ثمة أخطاءٌ تُرتكب وهناك سياساتٌ وممارساتٌ تحتاج مراجعات وتقويما.
لكن ذلك أمرٌ يدركه جلالة الملك ويحذّر منه قبل غيره. وفي سياساته وقراراته ورؤيته ما يُظهر حرصَه وعملَه على تصحيح الأخطاء وحفز العملية الإصلاحية. وأنجز خلال السنوات الماضية ما دلّ على أنّ الأمور تسير إلى تحسّن رغم ضخامة ما يحيط بالمملكة من تحدياتٍ تضعها تحت ضغوطٍ أمنيةٍ واقتصاديةٍ لا موضوعية في التقليل منها ومن آثارها السلبية.
ترتيب الأولويات ضرورةٌ حتمية. وفي مقدّم هذه تمكين الأردن الإفادةَ من اقتناع العالم بصلابته ووجاهة طروحاته، عبر إيجادِ الظروف الكفيلة جلب الاستثمارات والسياح والمشاريع التي تسهم في تحسين الأداء الاقتصادي، الذي ينعكس أماناً اجتماعياً هو السدُّ الأمنعُ في وجه الأخطار التي تُحدق بالبلد من كلّ صوب.
بعضُ هذا يكون ببثّ الروح الإيجابية التي تعكس واقع الأردن. نكران وجود المشاكل والأخطاء والتحديات دفنٌ للرؤوسِ في الرمال خطير. لكن ما يساويه خطورةً، بل يزيد، في هذه الظروف الصعبة هو التنكر للإنجاز والإغراق في السلبية والسوداوية اللتين تجذّران السلبيةً المحبطة.
أمام الأردن فرصةٌ لقطفِ ثمارِ غرسه الإصلاحي المتجذّر في ثقافةِ شعبه ونظامه الإنسانية الوسطية المستنيرة، والتي حمته من عواصف الماضي، وتُبقيه اليوم على طريق المستقبل الأفضل الآمن والمنجز. العالم يراه مصدرَ نورٍ في محيطٍ مظلم. وثمّة كثيرٌ من الحلفاء والأصدقاء الذين يريدون مساعدتَه التّغلبَ على تبعات ما يجري في محيطه، تماما كما هناك كثيرٌ من رؤوس الأموال التي تؤمن بجدوى الاستثمار في اقتصاده.
لكن الإغراقَ في جلد الذات لا يساعد. يجب الاستمرار في تقويم الوضع وتصحيح القصور. لكن بين ذاك وبين رسمِ صورةٍ مُغرقةٍ في الإحباط فرقٌ شاسع. الثقة الدولية بالأردن تُضعفها، وتُجفف ترجماتها العملية المتمثلة دعماً واستثماراً، سلبيةُ من يرفض الإقرار بالإنجاز، أيّاً كانت أسبابه ومبرراته.
الأردن ينجز رغم كل الظروف الإقليمية القاتلةِ للإنجاز. تلك حقيقةٌ يستحق الأردنيون، شعباّ وملكاّ وحكومات، أن تُقال بوضوحٍ وصراحة، لأنّ في نكرانها انتقاصٌ من جهدهم، وإضعافٌ لفرص تثمير نضالهم.
بعضٌ من الإيجابية حقٌ للبلد ولأهله.