اخبار البلد - محمد المحيسن
انتهى ديوان التشريع مؤخرا من صياغة مسودة قانون الأبنية والعقارات، والذي يفترض به ان ينظم قطاع العقار من حيث الملكية والاستثمار، وعلى الرغم من وجود عدة بنود إيجابية في مسودة القانون وخاصة فيما يتعلق بتأسيس جمعيات واتحادات مالكين لإدارة الملكيات المشتركة بشكل قانوني الا أنه حمل بين طياته سلبيات متعلقة بالجانب الاستثماري في القطاع. ينص مشروع القانون على ان على المستثمر العقاري والمطور العقاري إيداع كافة المبالغ المرتبطة بأي مشروع (سواء إنشاء بناء أو مشروع تطوير عقاري) ينفذه ويقبضها من المشترين أو الممولين قبل اتمام المشروع في "حساب امانات"، كما يُلزمه بفتح حساب لكل مشروع بشكل مستقل، وهذا يعني وبكل بساطة ان فرصة الاستثمار ستقتصر على المستثمر القادر على إيداع هذه الأموال وهو ما سيؤدي الى خروج المستثمرين الصغار من قطاع العقار وبالتالي احتكار هذا القطاع من قبل المستثمرين الاقدر ماليا فقط أو بلغة أخرى "سيصبح القطاع حكرا على الحيتان".
في النقطة السابقة، علينا أن نتذكر أن الاحتكار وغياب المنافسة لا يمكن لهما الا ان ينتجا ارتفاعا في الأسعار وتضييقا على عباد الله، فيكون القانون بدلا من ان يؤدي الى تخفيض أسعار العقارات- التي باتت مرتفعة جدا اصلا- كما هو مأمول، أدّى إلى رفعها، خاصة في ظل غياب أي تشريع يحدد قيمة العقارات والأراضي أولا، والسياسة الحكومية المعتمدة على مبدأ تعويم الأسعار وتركها للعرض والطلب، ثانيا.
نحن إذ نكتب ما نكتب، لا نغفل بطبيعة الحال ان وجود كتلة احتكارية في قطاع الإسكان سيؤدي الى انخفاض في أسعار الأراضي، كون العرض سيتفوق على الطلب في هذه الحالة، وبلغة ابسط فإن مالكي الأراضي الراغبين في بيعها لن يكون امامهم الكثير من الخيارات بسبب قلة عدد الراغبين بالشراء وبالتالي عليهم ان يقبلوا بالأسعار التي يحددها المستثمر الذي بقي في السوق بعد خروج المستثمرين الأضعف، ومن الناحية النظرية يفترض ان يؤدي انخفاض أسعار الأراضي الى اخفاض كلف البناء وبالتالي انخفاض أسعار الشقق عند البيع للمستهلك النهائي، ولكن ذلك يظل في "الاطار النظري"، برأينا. على ارض الواقع ومن تجارب مشابهة في قطاعات أخرى، فأن الفئة المحتكرة للقطاع ستقوم بشراء الأراضي بسعر اقل ولكنها غير مضطرة لتخفيض أسعار الشقق، وسيتم استغلال الفرق في تحقيق هامش ربح اعلى بدلا من البيع بسعر اقل، ولنا في قطاعات الزراعة واللحوم والاتصالات خير مثال، حيث يبيع المزارعون على سبيل المثال منتجاتهم الى الوسطاء المحتكرين للسوق بأسعار زهيدة ولكن المنتجات تصل الى المستهلك بأسعار مرتفعة. حماية المستثمرين الصغار، يعني بالضرورة حماية المستهلكين الصغار، فزيادة العرض على الشقق كفيلة بإيجاد تسهيلات قد توفر للطبقة الوسطى إمكانية التملك، في الوقت الذي قد يسهم المشروع الحالي بسحق احلام الطبقة المذكورة بتملك شقة تؤوي أفرادها في المستقبل. مرة أخرى، نؤكد على وجود العديد من الإيجابيات في مسودة القانون وخاصة تلك المتعلقة بالجوانب التنظيمية وحقوق الملكية وحماية المالكين، ولكن كل هذه الإيجابيات لن تمنع احتكار قطاع العقار من قبل المستثمرين الكبار ولن تمنع ارتفاع أسعار الشقق نتيجة هذا الاحتكار، ولذلك على الحكومة ان تعيد النظر في القانون بحيث يتم تصنيف أنواع العقار الى فئات وصياغة البنود الخاصة بالاستثمار في هذه الفئات بما يحقق مصلحة الجميع من مستثمرين ومستهلكين، وهذا من وجهة نظرنا "أضعف الإيمان" لحماية المستثمرين الصغار.