الإنسان اغلى ما نملك
كانت رسالة جلالة الملك مؤخّرا لرئيس الحكومة بتشكيل لجنة وطنيّة لتنمية وتطوير الموارد البشريّة من اهم التوجيهات الملكيّة السامية للحكومة للإهتمام بالموارد البشريّة وذلك لأسباب عديدة منها عدم وجود استراتيجيّة واضحة المعالم لتنمية وتطوير الموارد البشريّة وكذلك للتراجع الكبير الذي تشهده المملكة بالإهتمام بالموارد البشريّة وخاصّة في مجال ربط التخصّصات الجامعيّة مع حاجة سوق العمل الأردني وفي الدول المحيطة وكذلك التراجع الكبير في مستوى التعليم الأساسي والثانوي والجامعي إضافة لعدم اهتمام الحكومات المتعاقبة منذ عدّة سنين بالتعليم المهني والكليّات الجامعيّة المتوسّطة وحملة الدبلوم في الكثير من المهن المساعدة .
كذلك غياب البحث العلمي في جميع الجامعات والمراكز التعليميّة الأردنيّة وعدم توفير البيئة المناسبة لذلك وشح الأموال المتوفّرة لذلك خاصّة بعد ان وضعت الحكومة يدها على معظم الضرائب التي يدفعها المواطن لدعم الجامعات الرسميّة وخططها السنويّة وعدم تخصيص اموال كافية للبحث العلمي في جميع الجامعات.
وقد كانت رسالة جلالة الملك واضحة في ضرورة الإهتمام في المواطن الأردني منذ مرحلة الحضانة وحتّى ينهي تعليمه الجامعي ويصبح فردا منتجا في المجتمع وتوفير البيئة المناسبة له للتميُّز والإبداع .
وقد كان للشعار الذي رفعه جلالة المغفور له بإذن الله الملك الحسين بن طلال قبل عشرات السنين وهو ان الإنسان اغلى ما نملك الأثر الأكبر في تميّز الأردني في التعليم وسوق العمل لسنوات عديدة في المنطقة ولكن مع تراجع الإهتمام بالعنصر البشري وجدنا السوق الأردني مليئ بالعمالة الوافدة كما ان ثقافة العيب ترسخت لدى الكثيرين من الأردنيّين الشباب ومستوى الأميّة قد ازداد بين الطلبة الدارسين والتي تجاوزت نسبتها حوالي 26% حتى الصف السادس الأساسي ونسبة 24% في الصفوف الأعلى وكذلك اظهرت نتائج امتحانات التوجيهي في اخرسنتين العديد من المدارس التي لم ينجح منها أحد وكل تلك الإشارات تدلُّ على ان الوضع صعب وبحاجة لمعالجة جذريّة ولذلك جاءت الرسالة الملكيّة كناقوس تنبيه للحكومة التي كان يجب عليها ان تستشعر ذلك الخطر وتعمل على معالجته منذ فترة .
بعد ان كنّا نفاخر ونتباهى بأنّنا نضمُّ اكبر نسبة من المتعلّمين بالنسبة لعدد السكان في العالم العربي وخاصّة ممن يحملون الشهادات الجامعية والعليا فلذلك كان شبابنا منتشرون في كافّة البلدان العربيّة وخاصّة الخليجيّة منها وكان الدارسون الأردنيّون منتشرون في العديد من الجامعات العربيّة والغربيّة خاصّة قبل إنشاء الجامعات الأردنيّة الحكوميّة والخاصّة .
ولكن مع تطور وسائل الإتصال والمواصلات العالميّة فقد اصبح السوق يعتمد على التنافس وهكذا اصبحت فرص العمل اقل بعد إزدياد عدد المتعلمين وحملة الشهادات العليا في الأسواق التقليديّة للعمالة الأردنيّة مثل دول الخليج العربي .
ولم تقم الحكومات المتعاقبة بإعطاء موضوع تنمية وتطوير الموارد البشرية الإهتمام الكافي إضافة إلى تعدد الهيئات والمؤسسات المتعاملة مع ذلك الملف حيث اصبحت الكثير من مؤسسات الدولة تعالج موضوع التنمية المباشرة حسب رأي المسؤولين فيها بعيدا عن النظرة الشموليّة والتكامليّة لذلك الملف وهذا ناتج عن النظرة الضيِّقة للمسؤول وضعف المعرفة والثقافة الإداريّة لديه ولأنّه في الغالب يتمتّع بالتفكير الخطّي او الفردي (linear thinking ) بعيدا عن التفكير المجتمعي التعاوني (cooperative thinking)الذي يجب ان يسود بين جميع المخططين وواضعي السياسات في القطاعين العام والخاص للمساهمة في بناء الوطن بشكل صحيح ومستدام لفترات مستقبليّة طويلة .
وبذلك انحسر تفكير المسؤول في بعض الأمور التي يغلب عليها البعد المالي او السياسي إضافة لتوسّع دائرة الفساد في المجتمع وإثارة الشكوك في سلامة إتِّخاذ القرار وعدالة تطبيقه مما ابعد المسؤول عن التفكير الصحيح في تنمية الموارد البشرية وتطويرها كما جعل المواطن في حيرة من امره ولم يعد يدري ما حاجة سوق العمل في الوقت الحاضر او المستقبل القريب ليوجّه ابناؤه الطريق الأصوب في دراستهم الجامعية او المهنيّة ناهيك عن الظروف التي تمر بها المنطقة منذ اربع سنوات والتي تزيد الأمر تعقيدا نحو التخطيط الأسلم لمستقبل افضل .
وعلى الحكومة الإستعجال في تشكيل اللجنة الوطنيّة ومن افراد معروفين بعلمهم وحكمتهم وانتمائهم وحسن تدبيرهم وخبرتهم بعيدا عن اسلوب المراضاة والتنفيع والتمثيل الجغرافي الملزم وان تكون متفرِّغة للعمل في جمع المعلومات اللازمة بالتعاون مع الوزارات والهيئات ذات العلاقة كوزارات العمل والتعليم العالي والتربية والتعليم والخارجيّة والمغتربين والجامعات والسفارات الأردنيّة والدول التي يمكن ان تكون اسواق عمل لتسويق العمالة والكفاءات الأردنيّة وقد يتطلّب ذلك إنشاء قسم خاص لتوسيع مهام وعدد الملحقين العمّاليّين في بعض الدول لمتابعة العمالة الأردنيّة في الخارج وتشجيع المستثمرين الأردنيّين في تلك الدول على استخدام العمالة الأردنيّة حيثما تسمح قوانين العمل في تلك الدول .
رسالة جلالة الملك تصب في نفس مسيرة الإصلاح والتصحيح للكثير من التشريعات والقوانين التي يقودها جلالته وما على الحكومة سوى الإسراع في تنفيذ التوجيهات لما فيه مصلحة الإقتصاد الأردني والأسرة الأردنية ويريد جلالته إعادة الأهميّة لقيمة المورد البشري في الأردن بعد ان شهد الإهتمام به تراجعا في الآونة الأخيرة .
اللهم إحفظ الأردن وطنا وترابا وشعبا وقيادة واجعل الإنتماء والإخلاص نبراس مسؤوليه وفي ضمير كل مواطنيه .
احمد محمود سعيد
28 / 3 / 2015