لا يوجد أي سياق سياسي، وبأية نكهة، أو حاجة ملحة للتعديل الوزاري الذي وقع أمس، فقط تعديل لإطالة عمر الحكومة، سياق اعتيادي، إحلالي، شخص مكان شخص، استبدالات لملء المناصب والشواغر والفراغات، لوزير لم تعد صحته تساعده، أو آخر مزاجه معكّر، أو غير منسجم مع الرئيس.
بصراحة أكثر، تعديل مع الاحترام لأشخاصه، الخارجين والداخلين، ليس له داع، وليس فيه تغيير في البرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولا يتناسب مع الفترة الزمنية الحرجة التي تمر بها البلاد والمنطقة، ولا يستحق كل هذه السرية والكتمان التي مارسهما الرئيس منذ فترة، ولا التسريبات الاعلامية التي كانت تجس النبض في فترات طويلة.
اللافت للنظر في هذا التعديل، انه رفع نسبة النساء في الحكومة، فلدينا الآن خمس وزيرات، ويشكر الرئيس أنه رفع من انزيمات غضب النائب عبدالمجيد الاقطش أكثر وأكثر، بعد أن هاجم الوزيرات في خطاب الموازنة، وانتقد جمالهن.!، ويقولون بعد ذلك ان هناك توجيهات للكتاب والصحافيين بالاساءة الى مجلس النواب، الذي يسيء وجود بعض أعضائه ليس للمجلس والحياة البرلمانية فقط، بل للحياة عموما أيضا، لان مكان بعضهم يجب ان لا يتعدى إحدى زوايا العتمة.
لنتحدث سياسة بعمق أكثر، ففي لحظات تتهشم الروح يأسًا وإحباطًا مما يجري، ومما يراه المرء ويسمعه من المسؤولين عندنا، لا تجد أفقا تهرب إليه، سوى أن تحلق في عالم آخر، وتنظر كيف يتم التقدم فيه.
في بلادنا، تتجه أشياء كثيرة نحو المجهول، القيم والاخلاق، والمنظومة اعتراها البؤس، وأصاب الفساد أركانها، فخرجت الآراء علينا تلعن المجتمع، وتمجد الدولة، وكأن الخراب الذي يدق أركاننا، لا تتحمل القوانين الرجعية، والانظمة والتعليمات المتخلفة، سببه المباشر.
لهذا مستمرون في ركوب موجة إعادة التدوير، التي أصبحت تشمل المسؤولين والنواب والمستشارين والوزراء، لكنها اعادة داخل العلبة ذاتها.
لم تتوقف المطالب الشعبية في عمر الحراك المتواضع، عن المطالبة بتطهير مواقع عديدة، وتغيير اشخاصها، لانهم اصبحوا حملا ثقيل الوزن على الدولة والنظام، ويأكلون من رصيدهما، بفعل ما يتكشف يوميا عن فساد معشعش منذ سنوات في مؤسسات كثيرة.
مسؤولون ومستشارون، يحجبون المعلومات الحقيقية عن صانع القرار، ويمررون ما يرغبون من معلومات، ويزكون شخصيات تشبههم، ويبعدون من يخافون على البلاد اكثر مما يخافون على انفسهم واموالهم وعيالهم.
في لحظات التغيير، تفتح العلبة ذاتها، وتتم اعادة التدوير بطريقة كأن العالم لم يتغير، وكأن كل المطالب الشعبية هباء منثورا، فيستحضر الناس مسرحية دريد لحام (غوار) "غربة"، عندما خرج نهاد قلعي (حسني البورزان)، بعدة شخصيات، للمختار، والمختار الجديد، ومختاركم الجديد جدا جدا، وما كان يتغير فيه سوى (الطنجرة) على الرأس.
"غربة" في زمن التنفيس السياسي، وغربة مؤلمة في الوطن، في زمن خريف الربيع العربي، فكل ما يحدث هو اعادة تدوير لكل شيء في بلادنا، من الوزراء وابنائهم، والنواب وتوريثهم، والمستشارين وخلانهم، والمسؤولين وحماة ظهورهم.