الصخر أرحم من البشر أحياناً. البر البعيد أقرب من شوارع مكتظة باشارات المرور، وأرصفة اهترأت من ثقل أحذية المارة. السيارات تتوالد كالارانب. والبعض من السائقين يتجاوز السرعة المرورية والاخلاقية معتقدا انه هوالبطل لا السيارة التي من حديد، لا يحس ولا يفهم؛ وحسبما تحركه يتحرك حتى لو الى هاوية.احمل ما تبقى منك واهرب الى شجر لا يكذب وأرضٍ لا تخذل من حرثها وزرع فيها البذور، وسماءٍ لا تختال بزرقتها فالغيمُ الاسمر بشارة المطر . لكلٍ موسِمُه وللخيرعُرسٌ المواسم .
الطريق من عمان الى الفحيص -هذه الأيام الخريفية- طازج كساعات الصباح الاولى؛ لا هو دافِئ ولا هو بارد، الجبال على اليمين وعلى اليسار تتنفس الغيم الأبيض فيخرج زفيرها أخضرَ.. عشب رضيع، أغصان فتية رمت اصفر ورقها تحتها، لمعت في الشمس، صارت لوحة فنية، ابتلت بالمطرة الاولى، بنية اللون أضحت؛ انها العودة الى التراب الذي جاء وجئنا كلنا منه.
الهواء الذي هرَبْتَ من زحمة الحياة لتتنفسه نقيٌّ كأنفاس طفلة . تشعر أنّه وُجد خصيصاً لك .اغرف ما شاءت رئتاك . انه بالمجان، لا ثمنَ ولا ضريبة ولا رسومَ استنشاق . تمتع الدنيا «لسة» بخير. عيونك معك، كحلها بالأخضر الممتد الى ما ترى عيناك. قف على الطريق، انزل من علياء رسمياتك، اخلع ربطة العنق الخانقة. قف امام كشك القهوة، اطلب لك ولمن معك، لِكلٍ حسبَ مزاجِه، بلا سكر، او ربما على الريحة أو وسط، ومن يحبها حلوة فلم يحلُ السكر في دمه بعد، هو حر في ما يحب . لاتتعامل مع البائع بجفاف ولا تمارس عليه عقدك ...القهوة مزاج . سر قليلا الى الامام، ثمة اشجار تفتح حضنها لمن يقدرها ويحب ظلها، وثمة سلسلة احجار مصفوفة كالذهب حول خصر صبية في مقتبل الشباب، اجلس عليها، لا تتمنع لن يتسخ ما ترتديه انه مغسول بالمطر والهواء. هي لا تمانع بل تمنح راحة للبال .
تدخل الفحيص، تتذكر ما سمعت من اصدقائك و زملائك من ابنائها عن المدينة التي يتشارك أبناؤها الأعيادَ والمناسباتِ، مسيحية وإسلامية، وعن الجاهات التي لا تمييزَ بين رجالاتها، وما يهم أنّ الكلَّ ابناء الفحيص اردنيون عربٌ أباً عن جد .شوارعها نظيفة لكأنها بيت كل بيت في المدينة، اناسها رائقون، حتى الوافدون اليها من اشقاء عرب.
هنا، في الفحيص وفي كل المدن والقرى الاردنية، ومثلها الفلسطينية والسورية وبلاد الشام، الناس عرب، الأرض عربية، والتاريخ عربي .
تباً لـ»سايكس بيكو»، تباً للصهيونية، والف تبٍ لداعش الغبراء !!