حين نتحدث عن باريس نتذكر مدينة النور التي كتب عنها رفاعة الطهطاوي: تخليص الإبريز في تلخيص باريز، وانبهر بها وافتتن العلامة محمد عبده، وبرز من أعلامها في الفن والأدب والدفاع عن الانسانية من الاسماء أكثر مما يمكن أن يحصى. وحين نتحدث عن فرنسا نستذكر ثورتها التي رفعت شعارات الحرية والعدالة والمساواة، ودافعت عن الإنسان.
لكننا حين نتحدث عن الحكومات الفرنسية نستذكر سياسات قامت على قمع واستعمار الشعوب وسرقة ونهب ثرواتها، بدءاً من الغزو الفرنسي لمصر ومرورا باحتلال الجزائر وتونس وسوريا ولبنان وفيتنام وليس انتهاء بالدول الافريقية وجزر في محيطات المعمورة.
والكثير من ثروات هذه الشعوب وثمين آثارها نهبه الفرنسيون عبر عصور من الاحتلال والاستعمار، بدعوى الحفاظ عليها، ومنها كنوز وثروات حازتها فرنسا من دول لم تحتلها مثل مسلة ميشع الأردنية التي طالب مجلس النقباء أمس بإعادتها الى موطنها الأصلي في ذيبان، مستنكراً مماطلة فرنسا بهذا الشأن.
ومسلة ميشع أو حجر ميشع الموجود حاليا في متحف اللوفر بعدما استحوذت فرنسا عليه قبل 150 سنة، مسلة تاريخية نادرة كتبها الملك ميشع، ملك المملكة المؤابية التي ظهرت في وسط وجنوب الاردن في القرن التاسع قبل الميلاد، خلد فيها الملك ميشع انتصاراته على بنى اسرائيل في عام 850 ق.م.
وإذا كان البيت الاشهر في الشعر العربي ذكر فرنسا بقصيدة شوقي: دم الثوار تعرفه فرنسا وتعرف انه نور وحق. كرس فرنسا باعتبارها محتلا غاشماً، الا إن لنزار قباني بيت شعر رقيق يقول فيه: «لا الشعر، يرضي طموحاتي، ولا الوتر، إني لعينيك، باسم الشعر، أعتذر»..
نعم.. لعينيك يا باريس التي في وجداننا نعتذر، ويجب ان تعتذر الحكومة الفرنسية عن مواقفها وسياساتها التي ما فتئت تتنكر لفولتير وروسو وكامو.. وتتصرف بمنطق المحتل الناهب للثروات والجشع.