يجد البرلمان نفسه في موقف لا يحسد عليه، نتيجة للقرارات التي لم تراعِِ اللحظة السياسية التي كانت تمر فيها البلاد، وبخاصة الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها نسبة كبيرة من الأردنيين، وذلك بعد التصويت بالإيجاب على قانون التقاعد المدني، وغيره من القوانين والممارسات التي كانت مثار جدل في الفترة الماضية. ومن ثم، فليس مفاجئاً أن يقيّم المواطنون درجة الرضا عن المجلس بأنها متدنية جداً مقارنة بالمؤسسات الأخرى.
إن السلوك الذي قام به البرلمان قبل فض الدورة البرلمانية الاستثنائية، جاء تعبيراً عن شعور بالغضب حيال الحكومة، لأن هناك نسبة ليست بسيطة تشعر بأن ما حدث يمثل استهزاءً من قبلها، وأنه في المقابل على الحكومة أن تدفع الثمن أيضاً. لقد قال لي أحد البرلمانيين الذين يحتلون مركزاً رفيعاً في مجلس النواب بأن الحكومة يجب أن تتحمل جزءاً من المسؤولية، لأنها هي التي دفعت بقانون التقاعد المدني للمجلس، وعملت على إقناع النواب بالتصويت عليه.
هذه الحادثة تدل على أن هناك خللاً جوهرياً في العلاقة بين مجلس النواب خصوصا والحكومة؛ فأصول العمل البرلماني وما هو متبع في العديد من الدول، تقوم على أن الحكومة تقدم مشاريع القوانين بعد أن يكون قد تم نقاشها مسبقاً. وبعد التوصل إلى تفاهمات بين الطرفين حول القانون، يتم الدفع به للتصويت. ويبدو أنه لم يتم تطوير هذه الأعراف لدينا في العلاقة بين الحكومة والبرلمان بعد، وأنه لم يتم ترسيخ ذلك، وأن الحكومة والبرلمان يجب أن يكمل بعضهما الآخر، لا أن يعملا في ظل بيئة وأجواء تسودها الريبة، والخشية، والتنافس، والمناكفة وغيرها من السلوكيات غير المقبولة.
إن الهجوم المستمر على مؤسسة البرلمان في وسائل الإعلام يؤدي إلى نتائج عكسية في كثير من الأحيان؛ فبدلاً من أن يؤدي الإعلام دورالرقيب على البرلمان من أجل تجويد الأداء، يتحول إلى التقليل من شأن هذه المؤسسة المهمة.
إن الطرف المسؤول عن تدني شعبية البرلمان، بالدرجة الأولى، هو البرلمان نفسه. ولكن تتحمل كل من وسائل الإعلام والحكومة جزءاً من المسؤولية أيضاً. فالأساليب المختلفة التي قد تلجأ إليها الحكومة وتحقق لها المكاسب الآنية، من الواضح أن أثرها على المدى الطويل يؤدي إلى نتائج سلبية.
لذلك، لا بد من استعادة مكانة مؤسسة البرلمان لتحتل الموقع الذي تستحق في سياق النظام السياسي الأردني، والذي يشكل البرلمان أحد أهم أركانه.