تداولت الأوساط الإعلامية بعض التصريحات -غير المؤكدة- للسفيرة الأمريكية حول نسبة الأردنيين في سكان الأردن، ما أثار سيلاً من التصريحات والتعليقات، بعضها مليئة بالضيق والقلق، وبعضهم تلقى الخبر بالترحاب وعبارات تشي بالرضا والانشراح، وبالرغم من أن السفيرة الأمريكية نفت هذا القول المنسوب إليها، وعكست النسبة وقالت : إن نسبة اللاجئين تصل إلى 27% على سبيل بيان أثر اللجوء على كاهل الميزانية الأردنية والحديث عن مقدار العبء الذي يتحمله الأردن نتيجة حركة اللجوء النشطة عبر الحدود نتيجة الحروب الأهلية التي تعاني منها الأقطار العربية المجاورة.
وفي هذا السياق لا بد من توضيح بعض المسائل التي تتصل بهذا الموضوع، ولها حضور عميق في وجدان الشعب الأردني، وتحتاج إلى مزيد من الحوار ومزيد من الوعي الجمعي، ومزيد من الصراحة أيضاً التي لا تخلو من الجرأة الأدبية، واللمس الموضوعي الحكيم الذي يخلو من الإثارة والتشنج.
الذين يتحدثون عن النسب في الغالب هم بعض الذين تنقصهم الروح الوطنية الصادقة، وتعوزهم النظرة بعيدة المدى، لأنهم ينطلقون من منطق غير سليم في التحليل، ويقفون على أرضية رخوة، حيث أن بعضهم يخضع لمنطق المحاصصة المريض، الذي يعد وصفة للتقسيم المجتمعي، وتعزيز الحواجز بين مكونات الشعب، ومن المعلوم جيداً لدى العقلاء أن وصفة المحاصصة كانت سبباً في زعزعة استقرار المجتمع اللبناني وشرذمته إلى مجموعات «كونتونات»، ولكل فئة حصة في المقاعد البرلمانية وحصة في الحكومة وحصة في المناصب السيادية، مما أدى إلى إشعال بذور الصراع الصراع بين طوائف الشعب اللبناني، بحيث تعمد كل طائفة إلى تعزيز وجودها، وزيادة وزنها، وامتلاك أوراق قوة تؤهلها إلى انتزاع مزيد من المكتسبات عن طريق الارتباط والتبعية بأطراف خارجية عربية وغير عربية، أو اللجوء إلى تشكيل ميلشيات مسلحة من أجل حماية مصالحها ومن أجل الشعور بالأمن.
صفة المحاصصة التي تم اعتمادها مرة أخرى في العراق، كانت سبباً في تقسيم الشعب العراقي وشرذمته كذلك، وكانت عاملاً مهماً من عوامل إذكاء الصراع الطائفي، والاقتتال المذهبي، واستخدام الانتخابات البرلمانية، والأشكال الديمقراطية نحو امتلاك السلطة والقوة من أجل إقصاء الطرف الآخر وتهميشه، وتقليل أثره في الحياة السياسية، ومن أجل الاستفراد في إدارة خيوط العملية السياسية، والأمور نراها رأي العين، لا تحتاج إلى مزيد من البرهنة والاستدلال على مخاطر طرح نظرية المعادلة السياسية القائمة على لعبة المحاصصة ولعبة الأرقام والنسب الديمغرافية.
بقية مقال د. رحيّل محمد الغرايبة
المنشور على الصفحة اخيرة الجزء الاول
كل هذا يطرح السؤال التالي: هل سيعتزل ابوقتادة النشاط السياسي والفقهي، ام انه سيلعب دورا مهما الفترة المقبلة، في اعادة تشكيل المرجعية السلفية الجهادية في الاردن، بشكل جديد، على اساس مراجعات فكرية، من جهة، وعلى اساس شرعنة الموقف من التطرف عموما، ومن داعش حصراً؟!.
الارجح ان وجود ابوقتادة والمقدسي خارج السجن سيلعب دورا في تحديد موقف فقهي وسياسي وشعبي من داعش فقط، غير ان المراهنة على تغير جذري على صعيد الموقف من القاعدة وفكرها تبدو مراهنة قائمة على المبالغة، لان هذين القياديين لن يعلنا اي اعتراض على تيار النصرة في سورية.
هذا يعني ان موقف ابوقتادة من داعش، يأتي في سياق اقترابه اساسا من النصرة، وليس لانه ضد التشدد في المطلق، وهذا تقييم قد تثبته الايام وقد تنفيه.
في كل الحالات قد يفضل ابوقتادة امام هذه الحساسيات ان يبتعد عن الاضواء، حتى لا يجد نفسه عالقا بين اجنحة القاعدة من جهة، وحتى لا يصحو وقد تم توظيفه من حيث لا يحتسب ضد تيار معين، فيما هو عمليا ضده لكونه اقرب الى التيار الاخر، وليس لانه ضد التشدد في المطلق.
يبقى السؤال القديم الجديد: هل تحسن طقس لندن الان. دعونا لا نسأل الوزير البريطاني. ونسأل فقط عن طقس عمان، لنعرف الاجابة اولا، وهي اجابة لن تكتمل حتى نكتشف مالذي سيفعله ابوقتادة خارج السجن. كامن ساكن. نشط متحرك. أم عنوان مرجعي وفقهي ضد داعش؟!.
هذا من جهة، أما من الجهة الأخرى فإن الذين يحاولون -جاهدين- أن ينشروا أرقاماً ونسباً حول المسألة الديمغرافية، متعمِّدين التلميح أوالتصريح حول نسبة الأردنيين، يغفلون عن مسألتين في غاية الأهمية، المسألة الأولى أنهم يتساوقون مع الرؤية «الإسرائيلية» المؤكدة التي تقوم اتباع سياسة تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه ودياره بشكل دائم ومستمر بكل الوسائل والأساليب والطرق المتاحة سياسياً وأمنياً وعسكرياً واقتصادياً، واستخدام الترهيب والترغيب من أجل تسهيل الهجرة الطوعية والقسرية لأبناء فلسطين خارج ديارهم، واتباع سياسة زرع المستوطنين والمهاجرين اليهود من مختلف دول العالم مكانهم، ومن ثم يتم رعاية بعض الأطراف التي تتبنى المطالبة بحقوقهم المنقوصة في دول الجوار بدلاً من حقوقهم الكاملة المسلوبة في وطنهم وأرضهم وديارهم.
وأما المسألة الثانية فتتعلق بطبيعة المشروع الوطني الأردني، الذي يعتبر كل من يؤمن بالدولة الأردنية، وكل من ينتمي للتراب الأردني جزءاً من هذا المشروع دون نظر إلى أصل أو فصل أو جهة، وكل من يريد حماية الأردن وبناءه وينخرط في تنميته وازدهاره واستقراره، لا ينظر إلى نسب وحصص، ولا يتكلم عن مكتسبات وغنائم، ويبتعد تماماً عن منطق اعتبار الأردن ساحة أو مرفقاً سياحياً، أو بلداً خالياً بلا شعب أصيل ولا رجال قادرين على حماية بلدهم.
الأمر الأكثر أهمية في هذا المجال أن الشعور الوطني لا يتلخص في الخوف على المكتسبات أو الخوف على الرزق، بقدر ما يكون شعوراً بالقلق على مستقبل الوطن ومستقبل الأجيال، وأهل هذا الوطن يشعرون بضرورة تحمل مسؤولية حماية هذا التراب ومستعدون للتضحية بأرواحهم ودمائهم، ولن يتخلوا عن شرعيتهم الوطنية التي لا ترتبط بنسبة مئوية زادت أو نقصت .