في ورقته النقاشية الخامسة أعاد المَلك التأكيد على هدف المملكة الرابعة «العدل اساس الحكم» , وليس العدل اساس المُلك , والفارق واسع وشاسع , ويؤكد ضرورة قراءة الاوراق بعناية والتقاط الرسائل والبناء عليها في برامج عمل اركان الحُكم , فالملك يتحدث في ورقته عن جردة حساب للسابق ورؤيا منهجية للقادم وصولا الى الملكية الدستورية وتداول الحكومات .
فمنذ تأسيس نظام الحكم الاسلامي والقاعدة الثابتة فيه «العدل» إذعانا لقوله تعالى « واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل» , فالعدل اساس الحكم اذن وليس اساس المُلك , وتضمين الرسالة الملكية هذا المفهموم يعبّر عن الوعي الملكي لركيزة الحكم «العدل» وما يتفرع منها من فروع المساواة والنزاهة والامانة والكفاءة وغيرها , لأن المَلك يدرك ان ركيزتي المٌلك متوفراتان في اساس مُلكه , وهما الشرعية والمشروعية .
فعندما تلاقت الجغرافيا الاردنية مع الفكرة الهاشمية في الثورة على الطغيان والظلم تحت راية العروبة كان حاصل الجمع المملكة الاردنية الهاشمية الواسعة صدرا وقَوامة لكل اجناس الأمة والبشرية من المظلومين في ديارهم , او اللائذين الى الحمى الأردني القابل لهضم كل التنويعات والعصي على الكسر امام كل الضغوط , وبمراجعة التاريخ يكتشف من يريد او الباحث حجم الصلابة الاردنية .
لذا غاب شعار اسقاط النظام عن الساحات الاردنية غيابا حقيقيا وليس تُقيا او تكتيك سياسي عن مطالب كل التكوينات السياسية على اختلاف تلاوينها الفكرية - اسلامية وقومية ووسطية ويسارية - , لوجود ركيزتي الحكم «الشرعية والمشروعية» فلا أحد في الأردن يتحدث عن المُلك والمَلِك الا بوصفهما الضمانة وازالة التشابك والالتباس بين اركان الحكم مَنعا للاستعصاء السياسي .
لذا كان الحديث في زمن الربيع العربي وقبله عن اصلاح النظام والمقصود نظام الحكم وليس نظام المُلك , وهذا ما يقوم به المَلك نفسه وما يقدمه في اوراقه النقاشية وجولاته ولقاءاته , بمعنى ان القاعدة ورأس الهرم متفقتان ومواتفقتان على النهج , وتبقى اسباب العلّة في اضلاع المثلث او اركان الحكم «السلطة التشريعية والتنفيذية» , وما يتفتق عنهما من تفريعات , فالحديث في الاردن الآن عن قانون انتخاب وقوانين مجالس الحكم المحلي من مجالس بلدية ومجالس محلية للمحافظة او الاقليم .
فالحكم يحتاج كل فترة الى مراجعة وتطوير , لأن اساسه القوانين والتشريعات الناظمة لحياة الافراد والمجتمعات التي تتطور يوما بعد يوم , فالقانون الصالح قبل عقد ليس بالضرورة صالح الآن وما يصلح للاب لا يصلح للابن بالضرورة , ومن هنا جاءت جملة علي كرّم الله وجهه «ربّوا أبناءكم لزمان غير زمانكم» .
معضلة الأردن أنه لا يتفق على المفاهيم ولا يقوم بتثبيتها كأرضية للحوار الوطني الذي يجب أن ينعقد لواؤه الآن وبرعاية من المَلك لا من أحد غيره وبحضور كل السلطات وكل التكوينات السياسية ليس لأن المَلك الضمانة والحكم فقط بل لأنه الحَكم ايضا , فنحن نتحدث عن هدف واحد سهل وغير مكلف ولكننا نختلف على الاستدلال عليه .
تثبيت المفاهيم والتعريفات يساعد في رسم الاهداف والتوافق عليها ,وبعدها يجرى ترسيم الاهداف على صيغة مشاريع قوانين يقوم مجلس الأمَّة بإقرارها وتقوم الحكومات بتوفير البيئة الآمنة للعمل بها للوصول الى الاردن الذي نريد والذي نثق به وبمكناته السياسية والتشريعية , فقد اضعنا وقتا طويلا في جدل على التفاصيل دون تثبيت قاعدة التعريفات اللازمة للتوافق الوطني , فقانون الانتخاب نتحدث عنه جميعا بمفردات العصرية ولكن لا أحد للآن قال لنا ما هو مفهومه لمصطلح عصري ؟