محاولة مراقبين عقد مقاربة بين ما يحدث في مصر وحظر تنظيم جماعة الاخوان المسلمين وارتداداته على الساحة الاردنية محاولة عقيمة وغير منسجمة او قارئة لحركة تاريخ العلاقة بين الاخوان المسلمين والدولة الاردنية وفي ابسط توصيفاتها قراءة سطحية تفتقد لأبسط انواع المعارف السياسية بتاريخ وسلوك الدولة الاردنية وشكل علاقتها مع التيارات السياسية وجماعة الاخوان على وجه التحديد , رغم كل التبيانات التي تظهر على السطح بين الدولة والجماعة .
فالجماعة خلال تعرضها لأشرس هجمة سياسية في مصر والعراق وسوريا لم تجد حضنا دافئا الا الدولة الاردنية وظلت لافتة جماعة الاخوان المسلمين تُزّين شارع الملك حسين قبل انتقالها الى العبدلي بالقرب من القيادة العامة للقوات المسلحة ومجلس الأمة وتلك دلالة لا يفقهها من قرأ السياسة من زاوية الاقصاء وانعدام السماحة وما زالت كتب المذكرات لشخصيات الجماعة تذكر كيف عرض الاردن الإقامة الكريمة لقيادات الجماعة وكيف فتح صدره لمن أقام .
بالمقابل لم تكن الجماعة تنظيما جاحدا او منقلبا على شكل العلاقة وسطورها المعلنة والمسكوت عنها واستوعبت الجماعة احتياجات الدولة ومتطلباتها واستوعبت الدولة ما بعد تسعينيات القرن الماضي ظروف الجماعة بالمقابل , ورسمت الدولة الاردنية لوحة سياسية للعلاقة مع التيارات السياسية مجتمعة حتى من دخل تحت طائلة الاحكام العرفية وظلت السماحة والتسامح عنوان العلاقة بفضل القيادة الحكيمة للهاشميين عبر الممالك الأربع , وكان الاردن لوحة كاملة مجتمعة في ظروفه الصعبة وما زالت ذكرى حرب الخليج الثانية علامة فارقة في وجدان الجميع حين رسم الاردنيون شعبا وقيادة واحزابا وحدتهم دون لُبس في حين كانت لوحات الاقليم سريالية بالكامل وفي احسن احوالها متضاربة ومتناقضة .
حظر جماعة الاخوان ليس سلوكا جديدا على الجماعة التي عاشت في الحظر سنوات طويلة في معظم اقطار الوطن العربي ولكنها لم تعرف هذا السلوك ابدا في الاردن ولن تعرفه بإذن الله وهمة عبد الله الثاني حماه الله وحصافة الجماعة وفهمها للواقع المحلي رغم الارتباك السياسي مؤخرا في حركتها حيث اعتمدت نهج المقاطعة للكثير من الحوارات ومقاطعة العمليات الانتخابية في سلوك مرفوض من القوى الحية في المجتمع والتي ترى ان الجماعة جزء اصيل من التكوين الاجتماعي والسياسي ومقاطعتها للعملية السياسية فيه ضرر للجميع وليس للجماعة وحدها , دون انكار ظلال المسلكيات الرسمية على سيرورة العملية الانتخابية وخدشها بالتدخل في مسيرة الانتخابات والعبث بإرادة الناخبين ولكنها ظلال يجب ان تزول بالمشاركة وتعميق التفاهمات والتوافقات الوطنية وليس بالمقاطعة .
الاخوان المسلمين في الاردن تنظيم له احترامه في الاردن وعلى كل المستويات الرسمية والشعبية وحتى في ظل المنعطافات السياسية ظلت الجماعة محافظة على الاواصر الاجتماعية وكذلك الدولة ورجالاتها , وثمة امثلة كثيرة تدلل على هذا التواصل والاواصر المحترمة من الجميع , وفكرة سحب القرار المصري او تقليده بنسخة اردنية غير مقبول ولا مطروح بالاساس في عقل الدولة ووجدانها وكذلك لا تسعى الجماعة الى الوصول الى هذه الدرجة من التأزيم مع الدولة , التي ما زال وجدانها وذاكرتها مسكونين بالعلاقة الدافئة مع الجماعة وتسجّل للجماعة مواقفها المخلصة في المفاصل الدقيقة ولم تنسَ الجماعة يوما حضن الدولة الدافئ في احلك الظروف .
المطلوب في هذا الوقت حصريا ان تعود الجماعة الى مخزون ذاكرتها وان تفتح الدولة قلبها للجماعة كما فعلت الدولة طوال قرن من عمرها , وان يُصار الى ترتيب العلاقة على اسس وطنية اردنية دون ظلال للاقليم واشتباكاته تحديدا من الجماعة وقيادتها وان تمنع الدولة تسلل افكار محافظة ترى بالانقضاض على الجماعة فرصة سانحة في هذا التوقيت , لأن الدولة الاردنية لم تكن يوما قاسية على احد فكيف على الابناء ؟
الجماعة في ظرف صعب عربيا ساهمت هي نفسها في الوصول اليه وهذا يستدعي النصيحة الصادقة لها والعقل المتسع لهواجسها وظروفها وليس غير ذلك ابدا .