لم يكن رجب طيب اردوغان على موعد مع «التحالف» الذي بدأت ادارة اوباما اقامته لمحاربة داعش، وبخاصة ان فرحته بالجلوس على كرسي مصطفى كمال اتاتورك لم تكتمل بعد، بل ان الرجل رقم «1» في تركيا، ما يزال في صدد كتابة جدول اعماله «التالي» بعد ان اكمل خطته الرامية ليس فقط للبقاء في دائرة الضوء وعدم الذهاب الى التقاعد او الاكتفاء بلقب رئيس الوزراء «السابق»، بل وايضاً في انه جاء بأحمد داود اوغلو الى موقع رئيس الوزراء، قاطعاً الطريق على كل الرفاق والاصدقاء «والاخوان» وعلى رأسهم شريكه في الانشقاق على المعلم أربكان، عبدالله غل، وإرغامه على قطع المسافة بين قصر شنقايا الذي شغله رئيساً للجمهورية، لدورة يتيمة وبين منزله، في حيرة من امره وتحت وابل قصف اعلامي مركز، استدعى نموذج بوتين مدفيديف، في غمزة واضحة لرئيس الجمهورية (السابق الآن)، الذي أظهر تمايزاً واضحاً عن اردوغان في ردود الفعل والسلوك والتعاطي مع الاحتجاجات الداخلية الغاضبة وغير المسبوقة، فضلاً عن «امتعاضه» من محاولات «رفيقه» المسّ بالقضاء وقمع الاعلام وسجن الصحافيين والتنكيل بالشرطة والادّعاء العام، بعد ان ظهر فساد الدائرة المحيطة به خصوصاً الأقرب اليه، رغم انه (غُلّ) لم يتورع عن التوقيع على «كل» القرارات الماسّة بالحريات التي صادق عليها البرلمان، حيث يتوفر حزب العدالة والتنمية على اغلبية تتيح له تمرير ما يريد من قرارات، وكان بمقدوره (غُلّ ايضاً) رفض التوقيع او ردها الى البرلمان لكنه لم يجرؤ على إغضاب الرجل القوي، ما بالك في ان يكون قد أوهم نفسه باحتمال نيل «رضا» الزعيم والحلول مكانه في رئاسة الحزب الحاكم والحكومة؟
ما علينا
لم يوقع وزير الخارجية التركية مولود جاووش اوغلو على بيان جدة، الذي اعلن قيام التحالف لمحاربة الدولة الاسلامية الارهابية، وعندما «حطَ» رئيس الدبلوماسية الأميركية في انقرة، لم ينجح في زحزحة اردوغان عن موقفه الرافض الانضمام لهذا الحلف «عسكرياً» ولا السماح باستخدام القواعد الجوية التركية من قبل طائرات الحلفاء، فضلاً عن تردده في التجاوب مع طلب كيري اغلاق الحدود التركية السورية، بمعنى عدم السماح بمرور الارهابيين والقتلة الجوالين الى الداخل السوري، بعد ثلاث سنوات ونصف من الانخراط التركي الكامل في الحرب على سوريا بهدف تدميرها وإسقاط نظامها وإقامة نظام تابع لأحفاد العثمانيين الجدد وبوابة عبور نحو المشرق العربي لاستعادة أمجاد اجداده العثمانيين والسلاجقة، بما هو حق لهم يجب استرداده والدفاع عنه، على ما قال حرفياً وكثيراً إردوغان نفسه.
انتصر الرئيس التركي للجانب «الانساني» فقط، ما خلا ذلك، كان رفضاً واضحاً وإن تخفّى خلف حكاية رهائن القنصلية التركية في الموصل، من الدبلوماسيين والموظفين الاتراك الذين احتجزهم داعش بعد اجتياحه عاصمة محافظة نينوى، في العاشر من حزيران الماضي.. فهل ثمة «ثمن» طلبه اردوغان من كيري؟ ام انه اراد تكرار «السابقة» التركية التي حدثت في العام 2003 عندما رفض البرلمان التركي السماح للقوات الاميركية التي كانت تستعد لغزو العراق في اذار من العام ذاته بالعبور من الاراضي التركية، ما افسد خطط البنتاغون واغضب ادارة بوش، ويقال دائما ان الدوائر الاميركية النافذة لم «تغفر» لانقرة هذا الرفض...حتى الان.
اردوغان 2014، ليس هو اردوغان 2003، الفارق بينهما كبير وشاسع، بعد ان «كبرت» طموحاته الامبراطورية واستبد به الحنين الى مجد الدولة العثمانية ذلك «الوهم» الذي سوّقه له «وزرعه» فيه احمد داود اوغلو، الاكاديمي القادم من مدرجات الجامعات والكلام النظري، الذي لا يستخلص دروس التاريخ وعبره، بل يمضي في الترويج لأوهامه الى ان تصدمه حقائق الجغرافيا، فيفيق او تأخذ غيبوبة طويلة.
ما سربته الدوائر الاميركية عن لقاء اردوغان–كيري، هو اشتراط الاول ان يتم العمل في شكل «مواز» لضرب داعش واسقاط نظام الأسد، رغم ان ذلك التسريب قد لا يكون صحيحاً، لان «داعش» يملك من الاوراق والاسرار ما يحرج اردوغان وحكومته وحزبه واجهزته، فضلاً عن كونه «الجناح» السُّني الاقوى الذي تصدى للحكم «الشيعي» في بغداد، وهو بمثابة جيش السُّنة ودرعهم الواقية، ولان السلطان اردوغان انتدب نفسه زعيما ملهما ومُخَلِّصاً للسُّنة، فإنه يناور ويكسب الوقت، ولا يريد إغضاب حلفائه في داعش (وغير داعش) حيث سهر (وأجهزته) على اعدادهم وتجهيزهم وتدريبهم وتمويلهم وتوفير الملاذات الآمنة لهم.. فكيف يتقلب عليهم وهو الزعيم الديمقراطي الذي صدعوا رؤوسنا بوصفهم له، انه يقود تياراً اسلامياً معتدلاً يراد تعميمه في المنطقة؟
... اسألوا الخليفة ابراهيم، ابو بكر البغدادي..»حفظه الله».