إدارة السيولة، وتمويل رأس المال العامل، وتمويل السيولة للأفراد، ثلاث عمليات تتعلق بالسيولة في البنوك الإسلامية، تم تناولها في مقالين سابقين إدارة السيولة، وتمويل رأس المال العامل، ويتناول هذا المقال تمويل السيولة للأفراد. ويقصد به توفير النقود لتلبية احتياجات الترفيه والسفر ومهر الزواج، ونحو ذلك مما لا يتصور تمويله بالمرابحة والإجارة والمشاركة، فضلاً عن الحالات التي يصعب تمويلها بتلك الصيغ الأصلية لأسباب إجرائية أو قانونية كتمويل الشراء في خارج الدولة.
ويعد توفير السيولة للأفراد من التحديات التي تواجه البنوك الإسلامية، ولم تحظ المصرفية الإسلامية بعدُ بحلول مثالية لمواجهة هذه التحديات، ولكن لم يكن ملائمًا التغاضي عن تلك الاحتياجات أو إهمالها. ومن أبرز الحلول التي طبقت في أغلب البنوك: التورق المصرفي، وبطاقات الائتمان الإسلامية، والشراء وإعادة الإجارة المنتهية بالتمليك. وكل هذه البدائل من المسائل الجدلية في التمويل الإسلامي. وسيتناول المقال هذه الحلول مع التعليق.
في التورق المصرفي يقوم العميل بشراء سلعة من البنك بالأجل ثم يبيعها طرفًا ثالثًا نقدًا؛ بغرض الحصول على النقد، وجرى تطبيقه في السلع المحلية كمواد البناء، وزيت النخيل في بورصة ماليزيا، والسلع والمعادن الدولية في بورصة لندن للمعادن، وأكثر التطبيقات رواجًا في السعودية تطبيقه على أسهم الشركات المساهمة. وقد واجه التورق المصرفي من خلال بورصة لندن للمعادن عاصفة للانتقادات، وصد قرار المجمع الفقهي الدولي ومجمع الرابطة بتحريم التورق المصرفي في السلع الدولية؛ لقيامه على الصورية، وإلزام العميل ببيع السلعة عن طريق توكيل البنك بذلك، أما الأنواع الأخرى المذكورة فلا تواجه اعتراضًا يستحق التوقف؛ لغياب الوكالة الملزمة؛ ولعدم وجود شبهة الصورية.
في بطاقات الائتمان التقليدية يمكن لحامل البطاقة سداد جزء قليل من الدين (الرصيد المستخدم بالبطاقة)، وتأجيل الأغلب للشهر القادم بفوائد ربوية، ويتكرر الأمر مع نهاية كل شهر. وقد وجدت محاولات لإجراء هيكلة شرعية لهذا التأجيل لا تكون خاضعة للفوائد الربوية، وأبرزها بطاقة بيت التمويل الكويتي التي يتم فيها تأجيل السداد بدون فوائد، لكن أخذ عليها ارتفاع رسوم الإصدار، وكأن البنك قد حصل الفوائد مقدمًا. ومن المحاولات بطاقة البنك الأهلي السعودي التي يتم فيها تأجيل السداد عن طريق التورق المصرفي الآنف الذكر؛ حيث يتاح للعميل إجراء عملية تورق يتمكن بها من سداد الدين الحال في نهاية الشهر، مقابل دين أكبر نشأ بموجب عملية التورق. وقد أخذ عليها ما أخذ على التورق في السلع والمعادن الدولية الآنفة الذكر.
أما الطريقة الأخيرة في توفير السيولة للأفراد فأنْ يبيع الشخص بيته -مثلًا- نقدًا للبنك، على أن يعيد تملكه عن طريق الإجارة المنتهية بالتمليك، وقد شرط لهذه العملية عدم الربط بين العقدين، وأنه لا إلزام للطرفين في الدخول في عقد الإجارة، وأن تمضي فترة بين الشراء، والتملك اللاحق في نهاية الإجارة.