راوحت الحروب العربية الإسرائيلية لعدة عقود بين حرب الأيام الستة، وحرب الساعات الستة، وأخيراً حرب الدقائق الست وهي المدة التي استغرقها قصف مفاعل نووي في العراق وضاحية في تونس وشارع فردان في بيروت! رغم أن الحرب في حقيقتها لم تتوقف لحظة واحدة، منذ وصلت أول سفينة محملة باليهود إلى شاطئ يافا عام 1882، والشعار الذي رفعته النازية في القرن الماضي هو أن الحرب المدمرة هي أقصر طريق إلى السلام تبناها جنرالات إسرائيل.
ورغم ما حققوه من معاهدات سلام إلا أن ذلك لم يشعرهم بالأمان، لهذا سعوا إلى عقد اتفاقية سلام مع المستقبل ومع أطفال لم يولدوا بعد لإدراكهم أن المستقبل ليس لهم بل هو الكمين الذي ينتظر أحفاد أحفادهم!
وما إن تشرق شمس الغد حتى يكون العدوان على غزة قد تجاوز الخمسين يوما بقياس التقاويم الداجنة في الساعات على الحائط أو في الهواتف لكنها خمسون عاماً وربما أكثر بمقياس آخر، لا يعرفه غير من تحولت بيوتهم إلى أطلال، ودفنوا شهداءهم ونهضوا حيث لا وقت للبكاء ولبيوت العزاء!
إنها حرب الأيام كلها، إن لم تكن حرب الحروب كلها، لأنها تقدم خلاصة لمشروع صهيوني قرر رواده أنه لا يتغذى إلا على الدم العربي فهو أشبه بالعلق والبعوض والوطواط.
إن ما أنجزته إسرائيل في هذه الحرب اللامتكافئة في الإمكانات والأسلحة هو فقط قتل أطفال وشيوخ وهدم مساجد ومدارس، لكنها من الجهة الأخرى كشفت آخر ما كان يستر عورات مجتمع من المطاط والبلاستيك، فأنا لم أصدق لأول وهلة الأرقام التي نشرت في إسرائيل حول عدد المصابين بالكآبة، وارتفاع الضغط المفاجئ ونفاذ معظم المهدئات من الصيدليات، فبعد قليل سيفزون من النوم لأن هناك من يصعد إلى أسرتهم من باطن الأرض، وقد لا يتجرأون على فتح الحنفيات كي لا يسيل منها الدم، وحسب اعترافات لأخصائيين نفسيين فإن إسرائيل مهددة الآن بالعنّة أي العجز الجنسي، وأسباب ذلك ليست قنابل غزة النووية أو أسراب الطائرات العربية ذات التكلفة الفلكية التي تتجه غرباً إلى قلادة المدن الساحلية في فلسطين، إن أهم سبب لهذا الهلع إضافة إلى ما أنجزته المقاومة بشكل عصامي ومثير هو أن إسرائيل أوهمت كل فرد فيها بأنها حصلت له على بوليصة تأمين تاريخية وأبدية ضد السلاح العربي، وأنها ستبقى آمنة في البروج المشيدة، ثم حدثت المفاجأة، وامتلأت الملاجئ كالجحور بمن لاذوا بالفرار ومنهم وزراء وقادة وجنرالات كم هي هشة وأشبه ببيضة لا تحتمل جرحاً سطحياً حتى يسيل منها الصفار والبياض معاً!