في طفولتنا كنا نتسابق للشراء من دكان الشيخ بحارتنا ، لأنه كان يمنحنا (طبشة بياع) على كل شيء. فإذا اشتريت بقرشين قضامة ، فلك حبة ملبس على نعناع طبشة بياع ، وإن أردت لوح صابون و(زر نيلة) لغسيل أمك ، فلك كمشة قضامة ، وإذا طلبت ليفة اسفنج للجلي ، فلك بالون ينفخه لك بفمه الأدرد (بلا أسنان).
وللآن ما زلت أضحك من كل قلبي ، كلما تذكرت ذلك الولد الذي انحشر بصخب بيننا وكأنه يريد أن يشتري ، وحين سأله الشيخ: ماذا تريد؟. قال لاثغاً:(أنا بث بدي طبثة البياع يا ثيخ). فنال حفنة فستق ومضى مسروراً.
في رأس الحسبة ، أمر أحياناً ببائع الخضار العجوز ، الذي ما زال متمسكاً بميزان ذي كفتين ، رغم اجتياح الموازين الرقمية لكل البقالات والباعة الجوالين. هذا العجوز يدّعي أن (البركة) نزعت من حياتنا ، لأننا صرنا مثل موازيننا الرقمية ، لا مجال فيها ل(طبشة البياع). كان الناس أطيب نفساً يا عمي ، هكذا يقول لي العجوز مؤرجحاً رأسه مثل ميزان.
ولكن ليس كل قديم كريم ، فقد سرد لي العجوز قصة رجل كان يبيع تفاحاً ، ومعه ميزانه ذو الكفتين. أحدهم ملأ كيساً ورقياً ووضعه في كفة الميزان ، فرفع البائع تفاحة ، كي تتوازى عينا الميزان ، لكن كفة التفاح ارتفعت ، وحين أرجعها رجحت الأخرى. فأبدل حبة كبيرة بأصغر منها ، لكن الأمر ظل على ما هو عليه. وكل هذا ، والمشتري يراقب هذا المشهد بعين الغضب.
بعد فشل محاولات التساوي بين الكفتين ، سل البائع سكيناً صغيرة من حزامه ، وقسم حبة التفاح ووضع قسماً في الكيس ، فتوزانت الكفتان. فما كان من المشتري إلا أن دفع الثمن ، ثم أرجح بيده كيس التفاح ، ولوّحه في الهواء ، ليتطوح بعيداً في عرض الشارع ، فتدحرج التفاح بين الأرجل والأوحال: يا رجل كيف سأطعم أولادي تفاحاً لم يخرج من نفسك،.
بعيداً عن (البركة) ، وسخاء المبالغة في الكرم. فالثقة بالحكومات لا تقاس بميزان إلكتروني حساس. ولا تقاس كذلك حسب نظرية عجوز الحسبة ، أو دكان الحارة. بدلالة أن الناس لم يعجبوا بالنواب حين منحوا ثقة فلكية للرفاعي ، ولم يعجبوا بهم أيضاً حين منحوا حكومة البخيت ثقة على القريطي (العين بالعين). فأين السر؟،.
ربما الأهم من هذا ، أن الناس تريد أن تشعر بأن توازياً داخلياً يتوازى في ميزان كل نائب كريم بمجلسنا الموقر. وأن تتشكل قناعة لدى الشارع أن وزن الثقة يكون استناداً إلى فعل حقيقي ، وليس على ردود أفعال ، أو حسابات خارج المضمار. فهل سنتمتع طويلاً بتفاح البخيت؟،. أم....؟؟؟،،،.