ليست قضية نائب يهدد مواطنين بطردهم من بلادهم، بل قضية مجلس كامل أقره بعبارات تشجيع سمعناها في المقطع المسجل على "يوتيوب". والأهم من ذلك أن رئاسة المجلس لم تشطب تلك العبارات من المحضر في نفس الجلسة ولم يطلب نائب شطبها أصلا. وفوق ذلك موقف الحكومة ووزير العدل تحديدا الذي كان عليه أن يتحرك، ليس وفق مرجعيته القومية والأخلاقية فقط، بل وفق القانون الأردني الذي يجرّم عبارات التحقير والتحريض والمس بالوحدة الوطنية.
الدنيا صغيرة جدا، والمقطع انتشر على "يوتيوب" بسرعة مثل مقاطع خطابات القذافي، مصحوبا بعبارات التنديد والتعجب. فالشعب الأردني مثل كل شعوب العالم، توجد فيه فئات عنصرية وأخرى تجنح للعنف وثالثة انتهازية، لكنه بمجمله له ضمير جمعي حي وعقل رشيد وقلب ينبض عروبة وإسلاما. والشارع شاهد على تلك الجموع التي تتداعى سهرا وحمى إن اشتكت غزة أو العراق أو ليبيا أو تونس.. وظلت القدس مقصد الشهداء إلى اليوم.
لا خوف على الناس، والشعب الأردني مثل الشعوب العربية؛ المصري الذي عانى من البلطجة عقودا بأشكالها الأمنية والسياسية والإعلامية تعافى من الظاهرة خلال ساعات. فتلك لم تكن جزءا أصيلا منه، بل نشازا موّله رجال مال وأمن وإعلام ونواب.. تبخروا سريعا، تماما كما حصل في تونس من قبل.
لا نبيع الوهم، تاريخيا لم نكن بلدا ديمقراطيا، ولذا نقول تحول ديمقراطي، أو ديمقراطية ناشئة. لكن الميزة النسبية أننا بلد متسامح نظاما وشعبا. حتى في أحلك الظروف تحلينا بفضيلة التسامح بكل معانيها، وابتعدنا عن سفك الدماء. وأذكّر النائب الذي يخشى من ارتفاع سقف مطالب المعارضة وصولا إلى تغيير النظام، أن النظام في العام 1989 جمع كل من حملوا السلاح يوما ضده في لجنة الميثاق الوطني، وأجمع الأردنيون على النظام ولم ينفرط إجماعهم ولن ينفرط، لأن النظام عندنا لم يأت خلسة بانقلاب ضابط مختل عقليا، بل جاء بتراض وتوافق وإجماع من الضفتين. ودستور 1952 هو ابن شرعي لتلك الوحدة.
وعلى النائب أن يرجع لمحاضر جلسات الدستور ليعرف الفارق بين النواب بعد ستين عاما. لو كان ثمة "يوتيوب" و"فيسبوك"، لشاهدنا عمالقة خرجوا بدستور وضعنا على خريطة العالم الحديث بلدا دستوريا.
تهددنا بالجسر؟ ألا تعلم أن الجيش العربي هزج العام 1948 وفيه العراقي والسعودي وأبناء عشائر شرق الأردن جميعا "جيناك يا القدس الشريف نفديك بدم رقابنا"؟ وأن هارون الجازي، أبرز شيوخ الحويطات، اجتاز الجسر برغبته للقتال دفاعا عن القدس؟ وأن عبداللطيف أبو قورة التاجر العمّاني وأول مراقب عام للإخوان المسلمين جهز من ماله الخاص كتيبة للقتال؟ غاية المنى أن نذهب للجسر، ويوما فرقت قوات مكافحة الشغب قبل عقد جموع المتظاهرين التي حاولت الذهاب للجسر.
نريد موقفا واضحا من المجلس ومن الحكومة تجاه ما قيل تحت القبة. فلا حصانة لنائب تجاوز على الدستور والقانون. تلك اللغة هي التي تشكل خطرا على النظام، وليس المطالبة بتطبيق الدستور.