صالح القلاب
هناك إصرار عجيب من قبل «مُنجِّمي» ظاهرة «داعش» وأخواتها على أن هناك بيئة في هذا البلد، المملكة الأردنية الهاشمية، جاذبة لهذه الظاهرة، أيْ الظاهرة «الداعشية»، ولقد وصل تنظير هؤلاء المنجمين الذين لا يميزهم عن غيرهم من عباد الله سوى أنهم أصبحوا مدمنين على قضاء ساعات طويلة في متابعة «مواقع» هذه التنظيمات التي كلها وبدون استثناء تشكل تناسخاً لتنظيم «القاعدة» الذي أسسه أسامة بن لادن غضباً على الولايات المتحدة لأنها بادرت إلى الرحيل عن أفغانستان على عجل بعد «طرد» القوات السوفياتية ولم تتمهَّل إلى ما بعد تنصيبه خليفة للمسلمين وعلى غرار ما حصل مؤخراً مع «أبو بكر البغدادي»!!.
وكأنها أماني دفينة في قلوب هؤلاء أنْ يصبح للأردنيين «داعشهم» كما أصبح لأشقائنا العراقيين وأشقائنا السوريين «دواعش» كثيرة فحديثهم لا يتوقف عن أن في الأردن بؤراً تشكل «حواضن» لهذه الظاهرة ، التي ستثبت الأيام أنها مجرد «فقاعة» إعلامية، ولعل ما يسترعي الإنتباه ويستدعي «التنبُّه» أنهم يواصلون الغمز واللمز في اتجاه المدينة الأردنية الأصيلة «معان» التي أعطت لهذا البلد ومنذ التأسيس وحتى الآن خيرة الكفاءات وأشجع الجنود وأعداداً بلا نهاية من الشهداء الأبرار والتي ثبت أنَّ بعض أبنائها عندما يحتجون ومعهم الحق في بعض الأحيان على ما يعتبرونه أخطاءً وتجاوزات فإنهم سرعان ما يتحولون إلى سيوفٍ مسلولة للدفاع عن هذا البلد عندما يشعرون بأن هناك من يحاول استغلال احتجاجهم لإستهدافه كمسيرة وككيان وكوطن أبديٍّ وسرمديٍّ لا وطن للأردنيين غيره.
نحن نفتخر ونفاخر الآخرين بأنَّ الأردنيين لا يسكتون على ما يعتبرونه ضيماً ولا يصمتون ويطأطئون رؤوسهم أمام ما يعتبرونه أخطاءً ونحن نفتخر ونفاخر الآخرين بأنَّ هذا البلد يتماسك كل هذا التماسك بينما المنطقة كلها تهتز كل هذا الإهتزاز وأنَّ قانون «التسامح» هو الحكم بين أصحاب وجهات النظر المتعارضة عندنا وأن أكثرنا معارضة وتذمُّراً هم الأكثر حرصاً على هذا البلد وعلى استقراره وإنَّ العلاقة بين المواطن ومن هو في موقع المسؤولية الأٍٍُولى ليست علاقة التابع بالمتبوع وإنَّما علاقة أن كلاً يُكمِّلُ الآخر وأن الجميع في خدمة الوطن وأن كل واحد في موقعه «خفيراً» وأن هذا ينطبق على المعارض كانطباقه على «الموالي».. ومع التأكيد على أننا كلنا معارضون من أجل وطننا وكلنا موالون لأننا نعتبر الموالاة حرصاً وتفانياً من أجل المصلحة العامة.
إننا نناشد منجمي «داعش» وأخواتها وباسم العليِّ القدير المقتدر والأنبياء كلهم ومعهم الأولياء الصالحون أنْ «يحلّوا» عن معان وأنْ يكفوا عن استخدامها استخداماً سيئاً مَلْويِّ العنق لإعطاء تنبؤاتهم مصداقية يبدو أنهم بحاجة إليها لإثبات معرفتهم بكل ما وراء ستار الغيب وأنهم قادرون على ما لم تستطعه كل المخابرات والإستخبارات الكونية وكل مراكز الدراسات التي يعتبرها أصحابها «استراتيجية» رغم أنه لا وجود لها على أرض الواقع وأنها مجردُ أسماءٍ براقة فقط!!.
إنه لا علاقة لـ«معان» لا بـ«داعش» ولا بغيرها ثم وأن المعارضين و«المشاغبين» والمعترضين هم أبناؤنا الأعزاء الذين من حقهم أن يعترضوا على كل ما يعتبرونه أخطاءً وتجاوزات فهذا الوطن هو وطنهم وإن من حقهم أن يمارسوا أقصى الحريات التي ينعم بها هذا الوطن وهنا فإنه تجب الإشارة إلى أنَّ الأشد معارضة للإسلام العظيم أصبحوا سيوف الله المسلولة لاحقاً ويقيناً أن هؤلاء يعارضون و»يشاغبون» أيضاً دفاعاً عن الأردن وحماية لتجربته الفريدة في هذه المنطقة الملتهبة وفي هذه المرحلة الخطيرة.. ولهذا فإننا نرجو ضاربي الوَدَع ومنجمي الظاهرة «الداعشية» أن يكفوا شرهم عن معان وعن «المعانية» فـ»معان» بالنسبة لبلدنا هي «أم القُرى» والمعانيون هم طليعة هذا الشعب المتماسك الذي يضع وطنه وتجربته ومسيرته في حدقات العيون.
لا يمكن أن يسمح الأردنيون وفي طليعتهم «المعارضة» قبل «الموالاة» ، وحقيقة أننا كلنا معارضون وأننا كلنا موالون، لا لـ»داعش» لا لغيرها الإقتراب من بوابات ونوافذ هذه القلعة الصامدة المحروسة بشعب موحد وعلى قلب رجل واحد وبإستقرار لا يمكن التفريط فيه وبقيادة تعيش بين أبناء شعبها وتعتبر اللجوء للقوة والعنف على رأس المحرمات وبجيش عيون قادته وجنوده ساهرة وأصابعهم على «الأزنْدة» وبأجهزة أمنية تترك النوم لأبناء شعبها وتبقى هي مستيقظة... إنَّ حاضنة «داعش» وغيرها هي «البيئة» المستجدة بعد قمعٍ آسيوي إستمر في إثنتين من أهم الدول العربية لسنوات عجاف طويلة.. وهي غياب الدولة وتمزق الجيش وإنشغال الأجهزة الأمنية بمطاردة أبناء شعبها وإمتلاء الزنازين والسجون بالمشكوك في ولائهم ليس لأوطانهم ولا لأمتهم العربية الواحدة ورسالتها الخالدة وإنما للذين يحكمونهم والذين أورثوا الحكم لأبنائهم.. وباسم الحرية والإشتراكية.