حصار غزة دام تسع سنين وحصار شعب بني هاشم وفيه محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه لكنه لم يدم سوى ثلاث سنين على الأكثر.
غزة يحيط بها عرب مسلمون يصلون إلى قبلة واحدة، وشِعْبَ بني هاشم يحيط به عرب مشركون يعبدون الأصنام والأوثان كتبوا صحيفة «مقدسة» علقوها في أقدس مكان عندهم في جوف الكعبة، وروَّسوها على ظلمها «باسمك اللهم» وفيها كل عناصر القطيعة والغدر التي عرفها البشر. فلا تتاجروا معهم ولا تزوجوهم ولا تتزوجوا منهم ولا تساعدوهم حتى يموتوا جوعاً وكمداً وفتنة.
ثم مزقت الصحيفة من بعض الضمائر الحية وانتهى الحصار.
منذ (2005) يحاصر غزة عرب وصهاينة، فلا يكاد الناس يأكلون ويشربون ويتنفسون -ظاهراً- إلاَّ من تحت أيديهم.
في بطن الحوت سَكنوا، وفي أحشائه لبثوا، وكلما ضغط عليهم انتفضوا وأصبحوا أكثر قوة وعزماً.
موسيقاهم (زنانات) لا تغادر أجواءهم يرون معها الموت ولا يموتون ولا يولْوِلُون، أعراسهم وحفلاتهم على وقع قذائف المدفعية وقذائف الطائرات والصواريخ الموجهة.
ليلهم بلا أضواء إلا من لهب القذائف، وطعامهم قوت، ونومهم بلا ضوابط، وعلاجهم مشروط، وحجهم وعمرتهم وسفرهم بيد العربي المتحكم المحكوم لشريعة يهود وقراراتهم.
لكنهم خلقٌ آخر، لله درهم، لا يفزعون إذا فزع الناس، ولا يرتجفون إنّ ارتجفوا، ولا يطعمون إن سال لعاب المغرورين، لا يأبهون بالموت وقع عليهم أم وقعوا عليه، يَعمُرون أرضهم ويعيشون حياتهم، ويربون أبناءهم على المعالي، فهذا يحفر قبراً وذاك يودع شهيداً وآخر يطور صاروخاً وأولئك يبنون ويعمرون ويُعلّمون.
يعيشون حياتهم كبقية الناس إلا أنها حياة كريمة كما تَعَايش اليابانيون مع الزلازل، تعايشوا مع المكر العالمي الصهيوني والتخاذل العربي، سيكون على يدهم فتح عظيم طال الزمن أو قصر، فأولئك كالبدريين الأوائل على فضلهم الذين كان الجيش يستكتر بهم ويستقوي ويستنصر ويتبارك بأحدهم وسيكونون كذلك.
أسماء شهدائهم وقادتهم على أسنّة صواريخهم التي طوروها من مدى الأمتار إلى الكيلومترات حتى زادت عن المائة كيلومتر، فماذا لو كان بيدهم مقدرات العرب المدنيين.
معيب أن نتغنى نحن هنا بفعل المحاصرين في غزة وانجازاتهم وصمودهم وبقهرهم العدو الأكثر نفيراً من عرب وغرب وعجم، العدو الذي يملك كل أنواع الأسلحة الفتاكة بل يصدرها للغير يعجز أمام صمود المحاصرين لأنهم أصحاب رسالة وأصحاب مشروع وليسوا هامشيين كالأنعام.
غزة بأهلها تُعجِز الصهاينةَ وحلفاءهم، فهي أعجوبة في تاريخ الصراع البشري قد لا تجد لها مثيلاً.
معارك غزة الأولى والثانية والثالثة أضافت للغربيين قوة بعد قوة وفضحت العرب والعالم، قوتها في ضعف إمكاناتها كما أنّ ضعف دولة العدو الصهيوني في قوته فهو يريد أنْ يعيش فقط وهم يريدون الكرامة والعزة حتى مع الموت.