اخبار البلد
ليس جديدا دخول السعودية على خط العدوان الاسرائيلي على غزة عبر القيام بدور الحكيم او الاخ الاكبر ، الذي يحاول ان يفرق بين شقيقيه الصغيرين وهما يتصرعان على لا شيء ، فهذا الدور كثيرا ما تقمصته السعودية خلال كل الحروب العدوانية لهذا الكيان على لبنان وغزة ، حتى اضحى هذا الدور جزء مكملا لفصول العدوان الاسرائيلي المتلاحقة على الفلسطينيين واللبنانيين.
وكما كان دور السعودية في كل الحروب العدوانية على لبنان وحزب الله ، وعلى غزة وحركة حماس ، لا يتجاوز دور الشامت والوسيط غير النزيه وحتى المتواطىء ، وهو يتستر خلف مواقف الطرف الحكيم الرافض للمغامرات والداعي الى حقن الدماء بين المتخاصمين!! ، يتكرر هذا الدور ايضا وغزة تتعرض اليوم لعدوان اسرائيلي همجي لا يفرق بين طفل وامراة وشيخ طاعن بالسن وبين مقاتل ، حيث يخرج على العالم رئيس الاستخبارات السعوديّة السابق الامير تركي الفيصل يوم الثلاثاء 8 تموز / يوليو ، امام مؤتمر إسرائيل للسلام !! ، في كلمة مسجلّة، يدعو فيها الى السلام والخير والمحبة بين الشعبين الفلسطيني والاسرائيلي !!.
واشار الامير السعودي في رسالته الى مبادرة السلام العربيّة، التي اقترحها الملك السعودي عبد الله، والتي صادقت عليها جامعة الدول العربيّة في قمة بيروت في العام 2002، على اعتبار انها ما زالت تشكل معادلة للسلام العادل والشامل للنزاع بين إسرائيل والفلسطينيين وبين العالم العربيّ أيضًا ، والحلّ الوحيد الذي يُمكن أنْ يُحقق حلم الشعبين الإسرائيليّ والفلسطينيّ ويكون بمثابة الإجابة على طموحاتهما الوطنيّة!!.
ورغم تضييع مبادرة السلام السعودية لحقوق الشعب الفلسطيني وفي مقدمته حق العودة ، ورغم تقديمها كل التنازلات التي كانت تحلم بها اسرائيل ،الا ان الاخيرة رفضتها بشكل مهين ، حيث رد رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق اسحاق شارون على السعودية وقمة بيروت بالقول ان المبادرة لا تساوي الحبر الذي كتبت به ، ولكن رغم كل هذا الاذلال الاسرائيلي يقول الامير تركي في كلمته امام مؤتمر اسرائيل للسلام : " إنّه مع الإرادة الطيبة، وبدعم من الولايات المتحدّة الأمريكيّة وجامعة الدول العربيّة، لا يوجد شيء اسمه مستحيل، وبالتالي فإننّي آمل أنْ يأخذ الإسرائيليون بعين الاعتبار الخطّة التي حملها في شهر نيسان /أبريل من السنة الماضية إلى واشنطن وفد جامعة الدول العربيّة، والذي أوضح أنّ مبادرة السلام العربيّة ليست ثابتة، وليست إملاءً، أنّما من الممكن أنْ تُصاغ بشكل يُناسب جميع الأطراف، وتحديدًا خلال المفاوضات التي ستجري بين الفلسطينيين والإسرائيليين " ، وهو ما يعني امكانية تقديم المزيد من التنازلات حتى يتم تفصيل المبادرة وفقا للقياسات الاسرائيلية!.
وفي عبارات لا تخلو من خفة وذلة يقول الامير السعودي :"تخيّلوا لو أننّي أستطيع أنْ أستقّل طائرة من الرياض، والطيران مباشرةً إلى القدس، وأنْ أصل إلى قبة الصخرة أو المسجد الأقصى، لكي أُشارك في صلاة يوم الجمعة، وبعد ذلك أقوم بزيارة حائط المبكى وكنيسة القيامة. وفي اليوم التالي أقوم بزيارة قبر أبينا إبراهيم في الحرم الإبراهيميّ بالخليل، ومن هناك، أُسافر إلى كنيسة المهد في بيت لحم، وأُواصل وأزور متحف ياد فاشيم (ضحايا النازية)، كما زرت متحف (الهولوكوست) في واشنطن، عندما كنت سفيرًا في واشنطن". ترى ماذا يمكن ان نستشف من هذه العبارات سوى استجداء الاستسلام ؟، وهل من الحكمة ان نتحدث بهذه اللغة الذليلة مع عدو شرس لا يعرف الرحمة ويغتصب اقدس مقدسات المسلمين!!.
الاتعس والامر في كلمة الامير تركي هو دعوته العلنية للصهاينة الى زيارة الرياض لبحث سبل حل القضية الفلسطينية ، حيث يقول :"وكم سأكون مسرورًا بدعوة الفلسطينيين والإسرائيليين لزيارة الرياض، حاولوا، حاولوا فقط أنْ تتصوروا ماذا يمكن أنْ يحدث من تطورات في مجالات التجارة، والطب والعلم والثقافة بين الشعبين".
وفي الختام عبر تركي الفيصل عن امله ان " يكون مؤتمر إسرائيل للسلام مساهمة للجهود في كيفية تخيّل حلم السلام الذي سيتحوّل إلى ممكنٍ، في حال كانت المبادرة العربيّة حجر الزاوية له، وإنني أتأمل اليوم الذي سيكون فيه بإمكاني أنْ أُشارك في مؤتمر السلام هذا، وبالمقابل أنْ يتمكّن الإسرائيليون الذين يُشاركون في هذا المؤتمر السفر إلى الرياض والمشاركة في مؤتمرات تُعنى في كيفية العمل سويةً من أجل حلّ المشاكل العالقة الإضافيّة، التي تُشكّل بالنسبة لجميعنا تحديات أيضًا".
كنا نود ان يتطرق الامير تركي ولو بشكل عابر الى المجازر التي ترتكبها اسرائيل في غزة ، ويدعوها الى وقف سياسة العقاب الجماعي ضد اكثر من مليون ونصف مليون انسان ، وهو يقرا على قادتها كلمته المسجلة حول الاحلام و السلام والوئام والمحبة والاخوة ، وان يدعو الى التصدي للمستوطنين الذي تمادوا في طغيانهم ، بدعم وتحريض سافر من قوات الاحتلال الاسرائيلي ، الى الحد الذي اخذوا يحرقون اطفال فلسطين وهم احياء ، كما فعلوا مع الطفل محمد ابو خضرة ، عسى ان تؤثر كلماته الرقيقة عن السلام على الطبيعة الوحشية للمستوطنين.
الغريب ان اخلاق الحملان هذه التي يظهر عليها الامير تركي وباقي امراء العائلة السعودية ، وهم يتحدثون عن السلام مع اسرائيل ، تتبخر عندما يتحدثون عن علاقات السعودية مع دول اخرى مثل ايران ، الجار المسلم ، فعندها لا تسمع الا التهديد والوعيد وحتى قرع طبول الحرب وتحريض امريكا وحتى اسرائيل على الهجوم على ايران ، وعندما ترفض امريكا تنفيذ هذه الرغبات ، تستشيط السعودية غضبا وتتصرف كالزوج المخدوع وتقيم الدنيا ولا تقعدها ، كما راينا اثر اول اتصال دبلوماسي بين ايران وامريكا بشأن البرنامج النووي الايراني .
من حقنا ان نسأل لماذا كل هذا اللين الى حد الذلة والاستسلام امام عدو يغتصب القدس ويهودها ، وينتهك الحرمات والاعراض ، ويشرد الملايين من الفلسطينيين ولا يسمح لهم بالعودة الى ديارهم ، ويفرض حصارا قاتلا على قطاع غزة الذي تحول الى اكبر سجن في العالم ، بينما نرى كل هذا العداء والكراهية والحقد الى حد التحريض على بلد مسلم جار مثل الجمهورية الاسلامية في ايران ، وقفت ومازالت تقف الى جانب العرب والمسلمين ودفعت ومازالت تدفع اثمانا باهظة لوقوفها الى جانب القضية الفلسطينية ؟، لماذا لا يظهر السعوديون جانبا بسيطا من هذا اللين مع جارتهم المسلمة ايران ؟ ، وهل خلافات السعودية مع ايران ، اكبر من خلافاتها مع اسرائيل ؟، الا يثير هذا الامر تساؤلات حول طبيعة واهداف الدور الذي انيط للعائلة السعودية ؟، وهل هذا الدور يصب في صالح وحدة المسلمين والعرب ، ام انه على النقيض من ذلك تماما؟، ومن اجل الاجابة على هذه التساؤلات نرجو من القارىء الكريم ان يتصفح سريعا تاريخ السياسة السعودية ليصل الى الجواب الشافي.
بقلم:منيب السايح
شفقنا