راقبوا تحركات اميركا تحت غطاء ما يسمى بالمجتمع الدولي وتوزع قواتها البحرية والجوية ليس بعيدا عن السواحل الليبية. انها كالافعى التي رصدت فريسة وراحت تتربص لها بانتظار لحظة الانقضاض. ورغم اعتراف وزير الدفاع الاميركي روبرت جيتس بان اي وزير دفاع ينصح رئيسه بالتدخل عسكريا في الشرق الاوسط (بعد تجربتي افغانستان والعراق) عليه ان يفحص سلامة عقله ، فان طبع اميركا يغلب تطبعها.
ليبيا جائزة محترمة لمن يلعب اوراقه بذكاء. فهي دولة غنية بالنفط والغاز وتحتل موقعا استراتيجيا جنوب البحر المتوسط ليس بعيدا عن اوروبا. وباسم ارادة المجتمع الدولي يستطيع الغرب ان يبرر تدخلا عسكريا لحماية المدنيين الليبيين من غضب زعيمهم المحاصر.
يقرر المجتمع الدولي فجأة تعليق عضوية ليبيا في مجلس حقوق الانسان ولا ندري كيف سمح لليبيا اصلا بدخول هذا المجلس ، ويتبارى الغرب في فرض عقوبات ضد القذافي وعائلته تشمل تجميد ارصدة واحالة ملف ليبيا الى محكمة الجنايات الدولية. هذه الصحوة المتأخرة تكشف عن هشاشة منظومة المجتمع الدولي ونفاق الغرب الذي لا يمل من الكيل بمكيالين حفاظا على مصالحه الاقتصادية والسياسية.
فجأة يكتشف الغرب ان نظام العقيد دموي وان على الرجل الذي حكم بلاده بقبضة من حديد ان يرحل. ونكتشف بدورنا ان الغرب زود العقيد باسلحة وعتاد يستخدم الآن لقمع ثورة شعبية. ونسمع كلاما قاسيا بحق الرجل من قبل برلسكوني وساركوزي وكلينتون بينما تعرض شاشات التلفزيون مشاهد من زيارات تاريخية لقائد الثورة لروما وباريس حيث استقبل بحفاوة وترحاب ونصب خيمته ليس بعيدا عن قصر الاليزيه. وتعرض الفضائيات صورا ارشيفية لبلير وبراون وكونداليزا رايس يلتقون القذافي في معسكره وسط الصحراء.
من الذي اعاد تأهيل القذافي سياسيا بعد ان ضاقت به السبل؟ واين كان المجتمع الدولي عندما بطش زعيم الثورة بشعبه وعلق احراره على اعواد المشانق واعدم منشقين في السجون بدم بارد؟ سال لعاب الغرب على صفقات ببلايين الدولارات اهدرها قائد الثورة طيلة السنوات الماضية. اليوم فقط يكتشف الغرب حقيقة الرجل ونظامه المستبد. وها هي اميركا تطلق التحذيرات باتجاه حاكم طرابلس المحاصر وتفتح المجال لخيارات عسكرية. لكن الكعكة الليبية تستحق كل ذلك واكثر ، فالنفط والغاز خرجا عن سيطرة القذافي وبات مصير الثورة محسوما وان كانت نهايتها تختلف كثيرا عن ما جرى في تونس ومصر.
هناك مصالح دائمة وفي القريب سيتصارع الغرب على اقتسام الكعكة الليبية بعد حسم مصير القذافي ونظامه. سيتغنى الزعماء بنجاح الثورة وبرحيل الديكتاتور وسيتقاطر على طرابلس سياسيون يلبسون طاقية رجال الاعمال بحثا عن صفقات وعطاءات مغرية. يحدث كل ذلك والانظمة العربية ترقب بصمت وقلق وتتحلى بالدبلوماسية المفرطة ولعلها تدعو في قرارة نفسها: اللهم حوالينا ولا علينا،.