في الواجهة؛ داعش، وفي الخلفية حديث عن قوة مقاومة شعبية ثارت ضد الظلم والتهميش، وعلى نظام طائفي كرس الظلم، ما ولّد إحساسا شعبيا بضرورة الخلاص منه.
إعلاميا؛ تركز وكالات الأنباء العربية والأجنبية على دولة العراق والشام الإسلامية باعتبارها الطرف المسيطر على أرض الواقع، وهو مَن دحر جيش المالكي، لكن التساؤل المشروع، هل تملك داعش كل هذه الإمكانيات المالية والبشرية لإحراز كل هذا التقدم والسيطرة على أربع محافظات عراقية تشكل تقريبا نصف العراق؟.
المتخصصون في الحركات الإسلامية يؤكدون أن التنظيم لا يملك كل هذه القدرات لتحقيق تلك الاهداف وبسط يده على، الموصل، والآن صلاح الدين، والانبار، ويسعى لمحاصرة بغداد من جهاتها الأربع؛ إذ يقدر خبراء عسكريون أن إحراز النتائج التي تحققت يحتاج إلى أربعة فيالق، وهو ما لا يتوفر لـ "داعش".
التحليل يفتح الباب على سؤال ثان، إن لم تكن داعش فمن؟ فالعملية منظمة ومحكمة ومن يعمل يدرك الحساسيات المحلية والدولية ويتجنبها، والخطوات مدروسة وفيها حكمة القيادة العاقلة والتي بالعادة لا تتمتع بها هذه التنظيمات، مثل اتخاذ قرار بعدم السيطرة على مصفاة بيجي أي النفط وهي مسألة تستفز الغرب وأميركا على وجه الخصوص، وتجعله يتحرك لوقف ما يحدث.
وكذلك سعي القائمين على العملية إلى تجنب السيطرة على مدينة سامراء ذات الأغلبية السنية (والتي يوجد بها أهم العتبات الشيعية المقدسة ممثلة بضريح الإمامين علي الهادي وحسن العسكري)، حتى لا تأتي على نقطة استفزاز جديدة، وأهم من ذلك عودة الحياة الطبيعية للمناطق المحررة، كما يسميها عراقيون يقطنون في الداخل، ويتابعون عن كثب ما يجري؛ إذ تؤكد المعلومات أن الحياة الطبيعية عادت لتلك المدن، كما لم تشهد المدن المسيطَر عليها مسلكيات تعبّر عن فكر تلك الجماعات من قتل وتمثيل ومناظر مرعبة تأتينا كل يوم من سورية.
حديث الناس من الداخل يصطدم كثيرا مع ما تنقله وسائل الإعلام، فما يجري بحسبهم هو مقاومة شعبية ضد الظلم والتمييز والحياة القاسية التي فرضتها حكومة المالكي على تلك المدن.
توقعات المحللين العراقيين أن جيش المالكي أو ما يصفونه
بـ "المليشيا" غير قادر على الوقوف في وجه ما يحدث، فالتقدم سريع وحاسم على الأرض ويتم بخطى ثابتة ومدروسة، مع التأكيد أن من يقودون التحرك عراقيون من مختلف الطوائف من سنة وشيعة وأكراد، من بينهم كثير من قادة البعث السابقين.
حكومة المالكي انتهت بالنسبة للمتنافسين في الداخل، فحليفها الأهم (أميركا) تخلى عنها، ومحاولاتها للاستعانة بإيران، ستكون عامل توحيد لا تفرقة في المرحلة الحالية، خصوصا للسنة.
السيناريوهات المتوقعة تتفاوت؛ فسيناريو التقسيم على الأرض قائم، على شاكلة ما حدث مع الأكراد في كردستان، فيما تصبح المناطق المحررة للسنة، وتبقى المدن الشيعية للشيعة، لكن هذا السيناريو سيبقي فكرة الاقتتال الأهلي قائمة، ويبقي العراق في حالة من التناحر التي لا تنتهي في تنافس على المصادر الطبيعية والنفوذ والثروات.
بغداد هي "بيضة القبان" كما يقال، ومن يسيطر على بغداد له الأفضلية في المشهد، فمن يحظى بها سيلحقه الجنوب وغيره من المناطق.
ما يحدث في العراق اليوم بحاجة لموقف عربي قوي يسعى لاستعادة العراق بكل تلاوينه إلى البيت العربي، وهذا بالتأكيد يتطلب موقفا دوليا أيضا يتطلع إلى وقف الفوضى التي تنزلق لها المنطقة، في إطار صراع طائفي لا يتوقف شريطة أن يدرك المجتمع الدولي أن إدارته الحالية للإقليم لن تجلب الاستقرار، ونموذج العراق ماثل أمامهم.