الدكتور خيام محمد الزعبي
خسرت القوى الغربية وبعض الدول العربية رهانها على نشر الفوضى في مصر وإنهاك جيشها وتقسيمه على النحو الذي جرى في جيوش العراق وليبيا واليمن بفعل ثوراتها، بل على العكس فقد استمر تماسك الجيش المصري، و تطورت قدراته القتالية، وكانت صفقة الأسلحة الروسية الأخيرة إحدى مظاهر هذا التطوير، حيث دخلت مصر وروسيا مرحلة بناء إستراتيجية جديدة في المنطقة كون كل منهما يحتاج للآخر، فضلاً عن أن قوة العلاقة بينهما يعطى لأمريكا رسالة قوية بأن مصر لديها علاقة متنوعة مع الدول الكبرى.
واليوم تتصارع كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا على بسط نفوذهما في منطقة الشرق الأوسط خاصة مصر، في ظل الإضطرابات السياسية التي تواجهها، فالتوتر الذي شاب العلاقات المصرية الأمريكية في الفترة الأخيرة، ترك مساحة واسعة لروسيا كي تتدخل لملء الفراغ وتقديم يد العون وتكون بمثابة حليف بديل عن واشنطن في مصر، لذلك ليس من المستغرب أن تثير صفقة الأسلحة الروسية مع مصر ذعراً وقلقاً في إسرائيل، لما تمثله هذه الصفقة من استقلالية القرار السياسي المصري، والقدرة علي التخلي عن التبعية لأمريكا والإمتثال لشروطها في عقد صفقات الأسلحة معها، وأهم هذه الشروط ألا تحصل مصر علي نفس الأسلحة والمعدات والتقنيات التي تمنحها أمريكا لإسرائيل وذلك من أجل إبقاء الفجوة التكنولوجية في مجال التسلح قائمة بين مصر وإسرائيل لصالح الأخيرة، لأن ذلك سيؤثر في موازين القوى بالعالم والشرق الأوسط، كما أن الولايات المتحدة لا تريد أن تحدث وتتطور تلك العلاقات، لأنها لا يمكنها الإستغناء عن العلاقة مع مصر، وبالتالي فإن الولايات المتحدة الأمريكية تحتاج من مصر المحافظة على اتفاقيه السلام مع إسرائيل التي هي طرف أساسي بها.
وفي سياق متصل تسعى مصر على استعادة علاقاتها الطبيعية مع روسيا خلال الفترة القادمة، لأن سياسة مصر الخارجية تتبع نظام إحداث توازن في العلاقات من كل الدول دون الإنحياز والإعتماد على دولة واحدة، حيث قامت مصر بتنويع سلاحها ثلاث مرات بداية من السلاح البريطاني ثم الأمريكي وأخيراً الروسي، والآن تعمل مصر على التنويع بين الترسانة الأمريكية الروسية، واللافت للنظر إلى أن موسكو ستبيع أيضاً لمصر ما أسمته بمنظومات أسلحة حديثة ومختلفة عن المألوف، بما في ذلك صواريخ "جو – جو"، وصواريخ "جو – أرض"، وغيرها من الصواريخ، و النقطة الأبرز الآن أن عدد من دول الخليج هي التي ستمول هذه الصفقة، خاصة وأن الكثير من هذه الدول أبدت امتعاضها من السياسات التي تنتهجها الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، وهي السياسات التي ستدفع بالدول العربية إلى التعاون مع روسيا وتمويل صفقات الأسلحة معها، وبالتالي فإن التوجهات السياسية الجديدة للمنطقة ستدفع بالكثير من الدول العربية إلى تغيير الكثير من إستراتيجياتها والتوجه إلى التعاون مع موسكو، وهي الخطوة التي باتت واضحة في ظل التطورات التي تعصف بالمنطقة.
لا شك بأنه أصبح هناك مؤشراً مهماً للتحولات التي قد تؤسس لواقع جديد للعلاقات الدولية والنظام العالمي المعاصر يتجسد في الكيفية التي نجح بها الرئيس الروسي بوتين مؤخراً من سحب البساط من الولايات المتحدة الأمريكية، اللاعب الأهم والأكثر تأثير على المسرح الدولي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وبدا هذا واضحاً من خلال مواقف روسيا وبوتين من بعض القضايا الذي يقودها للعودة إلى المسرح الدولي بقوة مناوئة مقلقة للغرب، وبالمقابل قد تضطر مصر إلى منع عبور البحرية الأمريكية، التي تحمل معدات ثقيلة للسفن التي تزود القوات في أفغانستان من قناة السويس المصرية، بالإضافة إلى تعليق حقوق التحليق الأمريكي من القناة،
فالقيادة المصرية باتت مختلفة عن قيادة "مبارك"، كون السيسي يحمل الآن علاقات جيدة مع روسيا تطورت إلى عقود أسلحة تبلغ قيمتها 3 مليارات دولار، وهي خطوات تمكن مصر من تهديد مصالح أمريكا الإستراتيجية، وبالتالي يمكنني القول أنه كلما زادت مصادر التسليح كلما استقلت مصر عن باقي الدول ولن تعود بحاجة أو تابعة لأي دولة أخرى، وسيعود التوازن والاستقلالية للقرار المصري داخل الشرق الأوسط والمنطقة العربية.
وأخيراً أرى أن الشرق الأوسط اليوم أصبح ساحة حرب للخلافات الدولية، حيث تتصادم مصالح دولتين عظميين، روسيا وأمريكا، وهذا العامل لا يمكن تجاهله أو نفيه، في إطار ذلك هناك تغيير كبير حاصل الآن على المسرح الدولي بما فيه من تراجع ثقل وتأثير واشنطن وتقدم موسكو وعودتها بكل زخم وقوة لمقارعة واشنطن، وقضية صفقة الأسلحة أحد تلك المؤشرات، وبالتالي فإن الصراع الروسي الأمريكي على مصر سوف يرسم طبيعة العلاقات في الشرق الأوسط.
صحفي وباحث أكاديمي في العلاقات الدولية