محمد ابو رمان
أحد أكبر الانطباعات الخاطئة عن حكومة د. عبدالله النسور الثانية، يتمثّل في القول بأنها حكومة "الرجل الواحد". وربما يقف وراء ذلك هيمنة الرئيس وقراراته على الصورة الإعلامية والنقاشات السياسية، بينما تتوارى صورة الوزراء وراء المشهد. لكنّنا لو نظرنا إلى الفريق الوزاري وتقييم عمله، خلال الفترة الماضية، سنجد أنّ الصورة مختلفة؛ فالفريق ظُلم كثيراً باختزال الحكومة بصورة الرئيس وحده!
لعلّ المثال الواضح على ذلك هو وزير التربية والتعليم د. محمد الذنيبات، الذي حظي باهتمام كبير وإعجاب واسع في أوساط نخبوية وشعبية؛ إذ أنقذ امتحان الثانوية العامة "التوجيهي" بقراراته الشجاعة، ويسير بخطى جريئة لإصلاح الاختلالات الكبيرة. ونتمنّى أن تمثّل الدورة الصيفية لامتحانات الثانوية العامة تأكيداً وتعزيزاً لدوره التاريخي والمهم.
الإنجاز الوزاري يتعدّى ذلك إلى وزراء آخرين أبدعوا خلال الفترة الماضية، وهم يعملون بصمت وهدوء، بلا ضجيج يذكر. يكفي أن نذكر هنا مثلاً آخر، هو وزير المياه والري، حازم الناصر. فهذا الرجل قام بخطوات إصلاحية كبيرة وجريئة واصطدم بالحيتان، عبر حملات مكثّفة لإزالة الاعتداء على المياه، وهدم الآبار المخالفة، التي كانت تمثّل خنجراً في خاصرة العدالة، واستنزافاً لهذا المصدر الشحيح لدينا.
ساهم الناصر في إقرار قانون معدل لسلطة المياه لتعظيم العقوبات على من يعتدون على المياه، بما يصل إلى السجن 5 أعوام وغرامة 7 آلاف دينار، بينما كانت الأمور قبل ذلك تسير وفق المثل "زيتون برما داشر"؛ بلا أي قانون أو مساءلة أو رقابة جادّة وحقيقية.
ما نتمنّاه بالطبع هو أن يقدّم الوزير الناصر نموذجاً إدارياً مشهوداً في مواجهة التحدي الكبير هذا العام، وهو التعامل مع أزمة المياه ونحن على أبواب الصيف وشهر رمضان. وجميعنا يذكر كيف أنّ أزمات المياه في الأعوام الماضية كانت قاسية جداً على محافظات وأحياء عديدة، عانى منها مئات الآلاف من الأردنيين، فهل سنكون أمام مشهد مختلف؟
لا تقلّ جهود وزراء آخرين عن زملائهم. ففي البلديات، لدينا الدكتور وليد المصري، وهو خبير عريق في هذا المجال، ويحمل أفكاراً تنويرية وإصلاحية، ولديه طموح كبير. ولو أنّ ميزانية الوزارة تمنحه مساحة أكبر، لوجدنا فارقاً حقيقياً. مع ذلك، فالأمل معقود بأنّ الرجل لديه مشروع مهم، سنجد نتائجه وحصاده في الفترة المقبلة.
الحال لا تختلف عندما نتحدث عن وزير الزراعة الهادئ الرزين د. عاكف الزعبي، وغيره من وزراء آخرين يعملون على إحداث فروقات في مجالاتهم، من الصعوبة الحديث عنهم جميعاً في هذا المقال. وليس المقام هنا لتقييم الفريق الوزاري، بل للقول إنّ الفريق الوزاري الحالي، باستثناءات محدودة، فيه طاقات وخبرات وكفاءات تعدّ من أفضل الحكومات منذ مدّة طويلة.
بالنتيجة، هنالك مجالات مهمة وأساسية ومؤثرة على حياة المواطنين، يمكن إحداث فرق كبير فيها من خلال وزراء يمتلكون الكفاءة والشجاعة، غير فاسدين، ويفهمون معنى الإدارة والحكم الرشيد.
من الظلم، إذن، أن يتم تقييم عمل هؤلاء الوزراء عبر الموقف من الرئيس ومصداقية خطابه الإصلاحي. وإذا كان من إيجابيات هذه الحكومة ابتعادها عن الصراعات العلنية وصدام الأقطاب الذي وقعت فيه الحكومات السابقة، فإنّ مشكلة أصدقائنا الإصلاحيين الأساسية أنّهم تواروا وراء المشهد الإعلامي، ولم يشكّلوا فريقاً موحّداً يربطون فيه مواقفهم السياسية بأدائهم المهني، لكي يحدثوا فرقاً مماثلاً في الواقع السياسي، وهو ما لم يحدث بالطبع!