نجلس بمعية الدكتور ممدوح العبادي ونخبة من الأردنيين الصالحين في سهرة مثمرة ووطنية، بصحبة شخصيات محترمة وخبيرة من طراز تلك التي «تخدم بصمت ومن دون أضواء» بعيدا عن المصالح الانتهازية والشخصية.
يتطرق الحديث للوضع المأسوي في مستشفيات القطاعين العام والخاص، لنكتشف معا ومجددا أن «أي وزير للصحة» مهما كان مبدعا او خلاقا لا يمكنه فعل شيء من أي نوع قبل الاستقرار بموقعه خمس سنوات على الأقل.
ثم يتطرق النقاش لأوضاع البلديات فنصل إلى الاستنتاج نفسه، حيث يبدو واضحا أن المستقر فقط في مشهدنا الإداري والسياسي هو «الحقيبة الوزارية» نفسها وسائق السيارة والخط الخلوي، أما من يتحدث بالخط ويجلس في السيارة ويحمل الحقيبة فهو وزير آيل للسقوط، ومرشح للمغادرة، ولا يستطيع ضمان مقعده حتى لأربعة أسابيع.
الأوضاع نفسها يمكن قراءتها في البيئة والتجارة والمالية والسياحة والمياه والطاقة وكل نطاق الخدمات والتخطيط الاستراتيجي.
حقائب الوزارة تحولت الى حقائب «سفر»، فالطاقم الوزاري لا يشعر بالاستقرار بسبب كثرة تغيير الحكومات والتعديلات الوزارية، وأي وزير حتى لو كان فصيح الزمان، لا يستطيع التفكير بالانتاجية الحقيقية أو حتى التخطيط خلال فترة أقل من عام، لان الوزارة أصبحت «جمعة مشمشية» يمكن أن تنتهي مع مطلع الأسبوع التالي.
الفترات القصيرة التي يقضيها الوزراء وهم آيلون للسقوط مخصصة في أغلب الأوقات إما لمجاملة بعض مراكز القوى النافذة أو لاستقبال زوار البرلمان المفاجئين الذين يتصايحون في الممرات في حال عدم استقبالهم ومن دون موعد باسم تمثيل الشعب، أو في قراءة ومتابعة الأخبار التي تنشرها الصحافة البائسة، يوميا عن كل مسؤول.
لا يوجد وقت للتفكير ولا للتخطيط، وفي كثير من الأحيان لا يوجد وقت للاجتماع مع كل الموظفين والتعرف الى أفراد الطاقم وقراءة كل الملفات.
أعرف شخصيا ستة وزراء دفعة واحدة تحسسوا مقاعدهم ورؤوسهم بمجرد مشاهدتهم رئيس الوزراء الدكتور عبدالله النسور يتقلد «وساما ملكيا» برغم أن الوسام كان تتويجا للقناعة الملكية بأداء الحكومة وجهود رئيسها وبرغم أن الحادث مسبوق ولا يحتمل إلا قراءة «إيجابية» لا علاقة لها برحيل متوقع للحكومة.
يبدع النسور وهو يرفض مغريات «التعديل الوزاري» حتى يشعر طاقمه بالاسترخاء، ومبدع صاحب القرار الذي وضع الأسس لآلية «المشاورات البرلمانية» التي تطيل عمر الحكومة، لكنها لم تفلح بعد في إقناع الوزراء بأنهم خارج تغطية مقولة: «آيل للسقوط»، وبائس جدا الإصرار على «المحاصصة» في حقائب الوزارة التي تحولت الى حقائب سفر.