كما كان متوقّعاً، لم يقدّم وزير الخارجية، في مؤتمره الصحفي أمس، أي معلومات مفيدة أو إضافية عن "صفقة" إطلاق سراح سفيرنا في ليبيا، فوّاز العيطان، برغم أنّ العملية تمّت بنجاح، ولم يبق ما يخشاه الأردن على سلامة السفير. وعلى الرأي العام الأردني أن ينتظر حتى يكشف "مسؤولونا" للإعلام الغربي، الذي يعشقونه كثيراً، عن التفاصيل الدقيقة والحيثيات المختلفة للصفقة؛ إذ تعوّد إعلامنا أن يكون مثل "الأطرش في الزفّة"، وآخر من يعلم!
مهما حاولت الحكومة التحايل على "جوهر" الصفقة، وإصرارها على عدم تسجيل سابقة التفاوض المباشر مع جماعات متطرفة وإرهابيين، فإنّ النتيجة واضحة وصريحة، وهي أنّنا لم نكن نملك إلاّ خيارين: الأول، هو تسليم محمد الدرسي للحكومة الليبية (تحت ضغط اختطاف السفير)، سواء أمضى محكوميته في السجن أو تم إطلاق سراحه لإتمامها وسط عائلته. والثاني، مقتل السفير المختطف، وهي نتيجة لن تكون أقلّ شرّاً من "التبادل" الذي حدث!
سمعنا خلال الساعات الماضية جدالات ونقاشات واسعة حول "صفقة العيطان". فهنالك رأي يتمسّك بمبدأ "سيادة الدولة"، ويرفض تسجيل هذه "السابقة" في السياسة الخارجية الأردنية، مع ما يمكن أن تحمله من تداعيات أخرى خطرة. لكن الرأي الذي طغى على مواقف المراقبين السياسيين وفي مواقع التواصل الاجتماعي، يتمثل في اعتبار الصفقة "أفضل الممكن"!
هل هذه "الصفقة" تسجّل بوصفها خضوعا لـ"الإرهاب"؟!
قد يقرأها البعض كذلك، لكنها -في النهاية- قرار واقعي وخيار منطقي، برأي كثيرين، أفضل من التضحية بالسفير ومقتله. لكن هل ثمّة إنجاز دبلوماسي أو سياسي يسجّل للدولة في هذه الصفقة؟ إذا كان الأمر كذلك، فليخبرنا معالي وزير الخارجية عن معالم هذا الإنجاز وطبيعته، طالما أنّ الخيارات كانت محسومة ومحدّدة، منذ البداية. وما أخّر الصفقة، بالمناسبة، بعد أن حسم الأردن قراره بـ"المبادلة" على أساس اتفاقية الرياض، هو ظروف وحيثيات وخلافات بين المختطفين أنفسهم!
ذلك، بالطبع، لا يقلّل أبداً من الجهود الأمنية الكبيرة التي بُذلت، ولا من العمل المؤسسي الفني خلال الفترة الماضية الطويلة، وفي أغلبه وقع على عاتق الأجهزة الأمنية. وهو العمل الذي أدّى، بالضرورة، إلى اتخاذ القرار السياسي المناسب، واستبعاد خيارات أخرى لتأمين سلامة السفير.
في المقابل، هل يمكن القول بأنّ هنالك "إخفاقاً" وراء اختطاف العيطان؟ ثمة من يذهب بهذا الاتجاه. ويجري الحديث هنا عن سؤال الاحتياطات والترتيبات الأمنية في الدول التي تعاني توترا وأزمات، أو حتى عن مدى صواب فكرة وجود سفراء في هذه الدول. لكن على الطرف الآخر، ثمّة من يرى أنّ العديد من الدول العربية اليوم تعاني من توترات وأزمات أمنية، وحالة فوضى، مثل العراق ولبنان واليمن، وبدرجة أقل مصر؛ فالحديث عن خيار سحب السفراء ليس منطقياً!
حتى في ليبيا، من المعروف أنّ لدينا آلاف الأردنيين، ومصالح كبيرة هناك، كما هي الحال في العراق اليوم الذي يشهد صراعاً كبيراً. والحال لا تختلف كثيراً عن باكستان، التي تمثّل مركزاً إقليمياً للقاعدة وحلفائها في العالم، وطاولت الاغتيالات والتفجيرات مصالح حيوية وشخصيات سياسية وأمنية كبيرة هناك.
بيت القصيد هو أنّ البيئة الدولية والإقليمية أصبحت أكثر اضطراباً وتوتراً، وإذا كان هنالك درس مهم من عملية اختطاف العيطان، فإنه يتمثّل في ضرورة تعزيز الإجراءات الوقائية، والانتباه والتركيز في بناء قدرة الاستشعار لهذه الأخطار والتهديدات مستقبلاً، والتعامل مع "إدارة المخاطر" بصورة ناجعة تستفيد من الدروس وتتجاوز عقلية "الفزعة"، والتجاهل السافر لأهمية الإعلام ودوره في بناء الرأي العام وتقديم رواية الدولة ورؤيتها!