قيل، إنّ قيادة الجيش المصري أبلغت حسني مبارك في الساعات الأخيرة لعهده أنّ عليه التّنحّي، لأنها لا ترضى له مصير نيكولاي تشاوتشيسكو. وقيل إنّ تهريب زين العابدين بن علي، بتدبيرٍ من رئيس أركان الجيش التونسي، أنقذه من ذلك المصير، والذي يُرجّح معلقون، حالياً، أنّه قد يكون مصير معمر القذافي إذا استعصى أمره.
وللتذكير، كان رئيس رومانيا الأسبق يهدر على الهواء مباشرةً بخطابٍ، تحت وقع مظاهراتٍ ساخطةٍ على نظامه، ثم علت صيحاتٌ ضدّه من جماهير من مواطنيه كانت قد وصلت إلى محيط قصره، فتجمدت الصورة في التلفزيون دقائق، قبل أن يختلط صوت الرصاص بصوت القائد العظيم (أحد ألقابه التي خلعها على نفسه). يستدعي ذلك المشهدَ الذي يعود إلى أكثر من عشرين عاماً مشهدُ رمي ليبيين محتدشين القذافي على شاشة التلفزيون بالأحذية، وهو يهذي بتخريفه إياه الثلاثاء الماضي. وكانت قد استدعته أصوات ملايين المصريين في ميدان التحرير لمبارك بأن يرحل، قبل أن يُتمّ، على الهواء مباشرةً، خطابه الأخير. واستدعته هتافات التونسيين في مظاهراتهم ضد بن علي.
بعد قطعه خطابه ذاك، هرب تشاوتشيسكو مع زوجته من ممرّاتٍ سريةٍ في قصره، ونقلتْهما مروحيةٌ خارج بوخارست، ثم استقلا سيارةً سرقها أعوانه من مزرعةٍ، وقبض فلاحون عليهما، وأجريت لهما محاكمةٌ عسكريةٌ سريعةٌ انتهت بإعدامهما بالرّصاص. لم يكن "المنار المضيء للإنسانية" (من تسمياته نفسَه أيضاً)، يتخيّل أنّ عدوى الثورات التي كانت قد أصابت، للتوّ، ألمانيا الشرقية وهنغاريا وبولندا وبلغاريا ستصل إلى مواطنيه، فقد كان يرى نفسه زعيماً مُلهماً في رئاسته بلاده منذ العام 1974، وقبلها زعامته الحزب الشيوعي منذ العام 1965، وتوهّم أنّ قبضته الحديدية لن تجعل رومانيا كما بلدان تجاورها أرادت شعوبُها التحرّر من الشمولية والاستبداد. وعاش في بذخٍ، وامتلك خمسة قصورٍ ضمّ أحدها ألف حجرة، وعشرات الفلل والطائرات المترفة. وآثر على بناء جيشٍ محترفٍ تقوية جهاز مخابراتٍ رهيب، كان درع نظامه، تزوّد بالمرتبات العالية والامتيازات الخاصّة، وكانت له سلطته على الجيش.
لمزيدٍ من مُشابهاتٍ مع القذافي، وغيره، انشغل تشاوتشيسكو كثيراً بصورته، التلفزيونية منها خصوصاً، وأراد في خطابه الأخير أن يُقنع شعبه بأنّ عملاء وأجانب هم من ارتكبوا المجزرة المريعة في تيمشوارا التي عجّل ارتكابُ أجهزته لها انتهاء حُكمِه الذي يُقال، عن حق، إنه أنجز بعض نهوضٍ تنمويّ وتعليميّ وعلميّ في رومانيا، كما يُقال عن تونس في زمن بن علي. ولنا أن نقول إنّ المذابح الجديدة (ثمّة سابقاتٌ لها) التي ارتكبتها عصاباتُ معمر القذافي ستُعجّل نهاية حُكمه، وقد بتنا نعرف العجيب عن نهب أولاده مقدّرات ليبيا، فيما استسهل الألقاب الكاريكاتورية لنفسه، وأقنع شخصه بأنّ عبقريته تفيض عن حاجة ليبيا، وأسْمَعَه مثل هذا الهراء منافقون غيرُ قليلين، كما تشاوتشيسكو الذي كان يسمع من منافقيه أنّ حكمه شمسٌ تبعث الدفء في رومانيا والعالم، قبل أن ينتهى طغيان ذلك الحكم على الهواء مباشرة، بكيفيةٍ لم تكن معهودةً في تلك الغضون. نَحدسُ أنّ نهاية حكم القذافي تقترب، على الهواء مباشرةً طبعاً، وقد تخايل له أنّ ما ألمّ بزميليه بن علي ومبارك لن يُصيبَه، لأنّ ليبيا ليست تونس ومصر على ما قال، ثم أشاعها نجلُه عبارةً بدت وكأنها رجع صدىً لوهمٍ استبدّ بتشاوتشيسكو، عشية مصيره، فارّاً ثم مُعاقباً بالإعدام، والذي تستحضرُهُ مداركُنا بوفرةٍ في هذه الأيام.