علمت مصادر' ان حالة من القلق والتحسب والارتياب قد سادت مؤخراً قطاعاً واسعاً من المستثمرين ورجال الاعمال العرب والاجانب في المملكة العربية السعودية، جراء المخاوف من تدهور الاوضاع الامنية والاقتصادية عقب وفاة الملك عبدالله بن عبد العزيز الذي دخل مرحلة الاحتضار.
ونقل مصدر موثوق عن عدد من اصحاب ومدراء الشركات والمؤسسات الاقتصادية العربية والاجنبية اعتزامهم تقليص نشاطات منشأتهم ومؤسساتهم في الوقت الراهن، تمهيداً لتصفيتها تدريجياً خلال الشهور القليلة المقبلة، تلافياً لاية خسائر محتملة في المستقبل القريب الذي ينذر بصراعات سعودية حادة ومتعددة، ليس بين امراء الاسرة الحاكمة فقط، بل بينها ايضاً وبين نفر من شيوخ الحركة الوهابية التي تعتبر الركن الثاني في معادلة الحكم السعودي، حيث بات المتزمتون من هؤلاء الشيوخ يجهرون بخشيتهم من التوجهات العصرية والعلمانية للامراء السعوديين الشبان الذين يوشكون على تسلم دفة الحكم.
واكد المصدر الموثوق ان تقارير وتوصيات امنية وحكومية سرية قد وصلت، خلال الاسابيع القليلة الماضية، الى رؤساء ومدراء عدد من الشركات الاوروبية والامريكية العاملة في السعودية، تضعهم في صورة السيناريوهات والاحتمالات المتوقعة - وربما المنتظرة - هناك عقب رحيل الملك، وتطالبهم باتخاذ اعلى درجات الحيطة والحذر والاحتياطات الضرورية لسلامتهم واللازمة لضمان مصالح شركاتهم وموجوداتها، لكي لا تأخذهم المفاجآت على حين غرة، وتتسبب لهم بالكثير من الخسائر والاضرار المالية والبشرية.
وقال المصدر ان هذه التقارير والتوصيات الاوروبية والامريكية تحذر من صراعات قبلية ومذهبية في طريقها الى بعض المناطق الحساسة والمعروفة بعدائها التقليدي للاسرة السعودية الحاكمة وحليفاتها الحركة الوهابية، وبالذات في المنطقة الشرقية ذات الاغلبية الشيعية، والمنطقة الجنوبية المحاذية للحدود اليمنية الساخنة.
ولفت المصدر الى حالة القلق والركود التي تسود النشاطات المالية والاقتصادية السعودية حالياً، وقال ان مجتمع رجال المال والاعمال هناك لا يعبر عن هواجسه ومخاوفه بالكلام العلني حتى لا يتعرضوا الى غضب السلطات وانتقامها، وانما يعبر عن ذلك باجراءات وخطوات عملية صامتة ومخفية من شأنها ابطاء وتيرة العمل والانتاج، ورفع درجة التحسب والترقب والاستعداد للطوارئ، ولكن دون لفت انظار السلطات هناك واثارة حفيظتها.
وافاد المصدر الموثوق نقلاً عن طبقة المستثمرين ورجال الاعمال، ان حالة النزوح التدريجي للرساميل والفطاعات الاقتصادية عن السعودية، لا تقتصر على الوافدين العرب والاجانب، بل تشمل ايضاً اعداداً كبيرة من المستثمرين السعوديين انفسهم، بما في ذلك بعض الامراء وكبار المسؤولين الذين باتوا يخشون من الانفلات الامني جراء ضعف السلطة، واشتداد حدة المنافسة على خلافة الملك عبدالله التي يتولى هندستها وترتيبها حالياً، الشيخ خالد التويجري، رئيس الديوان الملكي السعودي المقرب من الملك، واخيه الامير مقرن ولي ولي العهد، ونجله الامير متعب الطامح في الجلوس على كرسي العرش.
واسهب هذا المصدر في الحديث عن خارطة الخلافات والصراعات المحتدمة بين امراء آل سعود، فاشار الى غضبة الامير طلال بن عبدالعزيز ونجله الملياردير الوليد، والى شكوى 'الفرع السديري' من استبعاد الملك له وتهميشه بعد تعيين الامير مقرن ولياً لولي العهد، والى تذمر ابناء الملك فيصل المرشح آخرهم - الامير سعود - الى الاعفاء 'بناء على طلبه' ليخلفه الامير عبد العزيز نجل الملك.
وكان الامير طلال بن عبد العزيز، قد اعلن انه لم يهنىء اخاه الاصغر الامير مقرن بتعيينه 'وليا لولي العهد'، وقال في تغريدة له نشرها عبر 'تويتر' يوم الاربعاء الماضي 'تلقيت اليوم رسالة شكر من سمو الأمير مقرن بن عبد العزيز يشير فيها إلى تهنئتي له بتعيينه ولياً لولي العهد وحيث أنني لم يسبق لي تهنئته ولا غيره، فقد لزم التنويه، خصوصاً وان موقفي بضرورة البعد عن التجاوز الذي يؤدي إلى الفرقة ثابت، كما أعلنته في 32 كانون الثاني 2102 ولن يتغير'.
وقال المصدر ان اغلب فروع الاسرة الحاكمة تشعر بالغيظ الشديد من الشيخ خالد التويجري، وتتهمه بانه الحاكم الفعلي الآن للسعودية، بعدما ارخى له الملك المحتضر والغائب عن الوعي، الحبل على الغارب، واوكل اليه مهمات ترتيب اجراءات خلافته وطرائقها الالتفافية ما دامت تضمن وصول الامير متعب، أجلاً او عاجلاً، الى سدة الحكم.
وكشف المصدر عن ان احد 'اصدقائه' من مدراء احدى المنشآت الامريكية الكبرى في السعودية قد اسر له بان منشأته قد استعانت مؤخراً باعداد اضافية من منتسبي احدى الشركات الامنية الخاصة، لغرض تعزيز حراستها وحمايتها في الوقت الراهن، اما في المستقبل القريب فسيكون الامر مختلفاً، وقد يتطلب تدخل قوات امريكية رسمية، لان واشنطن تدرك ان النار تحت الرماد في السعودية، حيث تتخندق تحت الارض هنا عشرات الشيع والجماعات والمليشيات المسلحة السرية، فضلاً عن تنظيم القاعدة الذي ازداد شراسة وتغولاً بعدما تمدد في عدد كبير من الدول العربية والاسلامية والافريقية، ولسوف تنتفض هذه الجماعات مع اية لحظة ضعف في السلطة والقبضة الامنية الرسمية، وبما قد يعيد انتاج ليس ما جرى ويجري في اليمن او سوريا او مصر او العراق، بل في ليبيا ذات الطبيعة النفطية البدوية الصحراوية الشاسعة الارجاء، والكثيرة الشبه بالجزيرة العربية.
ولان شر البلية ما يضحك، فقد وصف الملك عبد الله بن عبد العزيز، في كلمة له أثناء افتتاح ملعب لكرة القدم بجدة، شعبه بـ 'الشعب السعودي الشقيق'. ورغم أن هذا الخطأ لم يكن مقصوداً، إلا أنه أشعل موجة من السخرية وتبادل الشتائم، بين فريق رآه دليلا على تراجع الوضع الصحي والذهني للملك، وبين آخرين يدافعون عنه ويمتدحونه.
وقد ظهرت موجة تبادل الشتائم في البداية على موقع 'يوتيوب' حيث نشر المقطع في أقل من 4 ثوانٍ فقط لا غير، وهو الأمر الذي بدا مقصوداً.
يُذكر أن الجدل حول صحة الملك السعودي لا يكاد يتوقف في مواقع التواصل الاجتماعي، إذ ما تكاد الأخبار حول تدهور صحته تتراجع حتى تعود إلى الظهور من جديد.