في قراءة سابقة لنزيف الأسهم ودور البنوك المفقود في البحث عن حلول للخسارات التي تتعرض لها الأسهم المحلية، اتضح أن ثمة ما يقيد تلك المصارف ويجعلها تعيش في عزلة عن محيطها.
ومن ملامح تلك العزلة أن الشركات تخسر، بينما البنوك تربح وان كثيرا من القيادات المصرفية معنية بتحسين مزاياها التي لا تنتهي بينما يغيب عنها الالتفات الى ما يحيط بها، علاوة عن عدم استجابة البنوك لرسائل المركزي العديدة.
وليس خافيا ان سبب تراجع اسعار الاسهم يعود الى اداء الشركات والخسارات التي منيت بها وما ترافق مع ذلك من شح للسيولة، اما البنوك فمعظمها أعلن ارباحا، وكشف عن نفقات لا يمكن المرور عليها من دون تسليط الاضواء.
رئيس احد المصارف المحلية جنى رواتب ومزايا مالية فاقت 560 الف دينار، وآخر في بنك صغير حصل على رواتب فقط بمبلغ 247 الف دينار، وثالث كلفته الشهرية من رواتب ومياومات تقارب 68 الف دينار.
وأخطر من ذلك، فإن نسبة ما يتقاضاه رؤساء مجالس ادارة بعض البنوك الى ما يتقاضاه اعضاء مجلس الادارة بمجمله ترتفع الى 245 % احيانا او 127 % او 150 % وتنخفض في بنك واحد فقط الى 60 %.
وللعلم فإن تلك النسب والبيانات ليست سرا، وإنما تكشفها التقارير السنوية التي أفصحت عنها البنوك أخيرا.
ما يحدث في البنوك وعدد من شركاتنا المساهمة العامة يكشف عيوبا كبيرة وتشوهات تطال صحة الاقتصاد الوطني برمته، فكيف يمكن ان نفهم ان مزايا رئيس مجلس ادارة شركة مساهمة عامة – بما يعني أنها مال عام – تشكل نحو 5 % من حجم الارباح السنوية التي حققتها الشركة؟، وكيف يمكن للمواطن الاردني ان يستوعب ان رواتب الادارة العليا في شركة اخرى تتجاوز 50 % من نفقات ومصاريف الشركة؟، ليس ما مضى وحسب، بل ان نفقات مكتب أحد مديري البنوك السنوية من ضيافة الشوكولاتة تبلغ 60 الف دينار!!
قال لي صديق مصرفي ان "مطالبات استمرت لعدة شهور من احد موظفي التسهيلات في فرع لبنك كبير لزيادة راتبه الذي يبلغ 322 دينارا، ومبلغ الزيادة المطلوب لايتجاوز الـ 50 دينارا لم تجد نفعا"، ويضيف ذات الصديق "ومثلها محاولات فاشلة لتغطية نفقات صحية خارج نطاق التأمين لزوجة موظف اداري بسيط حجمها 400 دينار"؛ اذ تكبد الموظف تلك النفقات بينما سمح لرئيس البنك بتغطية زراعة اسنان بمبلغ 10 آلاف دينار، وهي ايضا خارج نطاق التغطية التأمينية، ولكن ما يتاح لعلية القوم ليس مسموحا للصغار.
وفي مقابل هذا الترف الذي لا يعرف حدودا، فإن كلفة تشغيل الأموال كما يدعي المصرفيون في بلادنا مرتفعة جدا ولكنهم لا يرجعونها الى الممارسات الانفة، والهامش بين فائدتي الايداع والاقراض في الاردن كبير وكبير جدا ويفوق 6 % والبنوك تقيد التسهيلات و"تحجر" على الاقراض للافراد منذ سنوات، فيما تستمر في الحجز على اموال المعسرين من دون اي دراسات لاعادة تأهيل من يمكن الاخذ بيده والمضي به الى بر الامان.
دور البنوك في العالم لا ينحصر في الحجز على المعسرين وتقييد حركة الاقتصاد والانعزال عن محيط الوضع الاقتصادي.
وما يحدث في البورصة حاليا يستحق الانتباه من اصحاب الطوابق العليا في عمارات عمان الشاهقة، واستباحة المال العام يجب ان تتوقف، فجل الحديث الذي يتزايد عن نهب المال في البلاد يتركز في الحكومة والقطاع العام.
علما ان القطاع الخاص والشركات المساهمة العامة ليست احسن حالا، وفيها الكثير مما لم يرو بعد ولم يصل الى النائب العام، وهي تشبه "المزارع الخاصة"؛ فلا رقابة ولا "ما يحزنون"، والهيئات العامة السنوية اشبه بالجاهات التي يدخل فيها رئيس مجلس الادارة كالطاووس الى القاعة وكذلك يخرج من دون ان يسمع ما يشعره بأنه مراقب من قبل المساهمين وأصحاب المال الحاضرين للاجتماع.