لست من المناكفين للقيادة الفلسطينية ، المتمثلة بالتحالف الوطني العريض الذي يقود منظمة التحرير والمكون من ثلاثة أطراف هي 1- حركة فتح ، و2- الفصائل اليسارية والقومية و3- المستقلين ، وأتمنى أن ينضم لهذا التحالف التيار كل من من حركتي حماس والجهاد بعد نجاح جهود المصالحة الوطنية ، كي تبقى منظمة التحرير عن حق ، الممثل الشرعي الوحيد للشعب العربي الفلسطيني ، لأنه بغير ذلك سيبقى الشرخ قائماً ، والطعن موجوداً ، والتمثيل ناقصاً .
ولكنني ، وإن كنت غير مناكفٍ للتيار المركزي الذي يقود منظمة التحرير ، وأعتبر نفسي جزءاً منه ، وداعماً لخياراته وسياساته على طريق دحر المشروع الإستعماري ، العنصري ، التوسعي ، الإسرائيلي الصهيوني ، وهزيمته ، وإنتصار المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني ، لتحقيق العودة والإستقلال والمساواة ، فإنني أرى ضرورة توفر الإيمان ، بداية وحقاً ، بعدالة قضيتنا الوطنية المجسدة بقرارات الأمم المتحدة ، وهي بلا إستثناء منصفة للشعب الفلسطيني ، على أن نأخذها جميعها مكملة لبعضها البعض ، لا أن تكون مقتصرة على قراري الأمم المتحدة 242 و338 ، بل يجب أن نكون واضحين ، وواعين أن قراري الأمم المتحدة 181 و 194 هما أساس حقوق الشعب العربي الفلسطيني ، والباقي تفاصيل مكملة لهما ، لإستعادة هذه الحقوق ونيلها .
فالقرار الأول 181 ، هو المرجعية السياسية والقانونية والدولية لتقسيم فلسطين بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي وهو شهادة ميلاد دولة إسرائيل ، ولهذا يجب أن يكون هو شهادة ميلاد دولة فلسطين ، والقرارات اللاحقة ، خاصة بعد قبول فلسطين دولة مراقب لدى الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29/11/2012 ، وتضمين قرار القبول ، بالقرار 181 بإعتباره أساس ولادة دولة فلسطين ومرجعيتها ، فهذا يتطلب من كافة مؤسسات منظمة التحرير التمثيلية ، المجلس الوطني ، المجلس المركزي ، اللجنة التنفيذية ، والفصائل والأحزاب والشخصيات المستقلة ، والأتحادات المهنية والشعبية ومؤسسات المجتمع المدني ، الأعتماد الدائم ، و الحديث المتواصل ، في أن يكون القرار 181 ، في كل لقاءاتهم وبياناتهم ومقالاتهم ، كمرجعية لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وولادتها ، لأنه يمثل مصالح نصف الشعب العربي الفلسطيني الذي ما زال صامداً متمسكاً مزروعاً في أرضه ، سواء في مناطق الإحتلال الأولى عام 1948 ، في مناطق الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل الفلسطيني المختلطة ، أو في مناطق الإحتلال الثانية عام 1967 ، في مناطق القدس والضفة والقطاع .
والقرار الثاني 194 ، يمثل مصالح وتطلعات النصف الأخر من الشعب العربي الفلسطيني الذين طردوا من وطنهم وبلدهم وبيوتهم عام 1948 ، من اللد والرملة ويافا وحيفا وعكا وصفد وبئر السبع ، حيث يؤكد القرار على حقهم في العودة إلى المدن والقرى التي سبق وطردوا منها عام 1948 ، وإستعادة ممتلكاتهم فيها ومنها وعليها .
ثمة تضليل متعمد ، يتحدث عن حق العودة ، بدون تحديد ، إلى أين ، والتضليل المتعمد يستهدف تظهير حق العودة وتثبيته وتسويقه إلى الدولة الفلسطينية ، في حال قيامها ، وليس العودة كما يجب أن تكون إلى بيوت أهالينا وأجدادنا وعائلاتنا في مناطق 48 وإستعادة بيوتنا وبياراتنا وممتلكاتنا في تلك المناطق التي تم طردنا منها وتهجيرنا خارجها ، أي إلى مناطق الإحتلال الأولى عام 1948 ، إلى اللد ويافا وحيفا وصفد وبئر السبع وليس إلى مناطق الإحتلال الثانية عام 1967 ، أي إلى الضفة والقدس والقطاع ، وهذا ما تسعى له حكومة المستوطنين ، ومشروعها الإستعماري التوسعي في سعيها لإنتزاع الأعتراف والأقرار بالدولة اليهودية ، إذ يُصبح السؤال كيف لك كفلسطيني المطالبة بالعودة إلى الدولة اليهودية ، فهي لليهود ، وعودتك إن تمت ، فيجب أن تتم للدولة الفلسطينية في حال قيامها ! ؟؟ .
فلسطينيوا المنافي والشتات ، أبناء اللاجئين والمخيمات هم الذين فجروا الثورة وقادوها وكانوا وقودها ، وهم الذين أسسوا منظمة التحرير الفلسطينية ، وهم الذين إنتزعوا التمثيل المستقل للشعب العربي الفلسطيني من قادة النظام العربي ، في قمتي الجزائر والرباط ، وهم الذين خاضوا المعارك في الأردن وسوريا ولبنان ، وغيرها لتثبيت الحضور الفلسطيني والهوية الفلسطينية والثورة والمنظمة والبرنامج الوطني المستقل ، قبل أن يثور أهل الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل الفلسطيني المختلطة بيوم الأرض عام 1976 ، ليكونوا شركاء في الثورة والهوية والنضال ، وقبل أن تنفجر الإنتفاضة الباسلة عام 1987 في الضفة والقدس والقطاع ، وتنزع القرار الأردني بفك الإرتباط القانوني والإداري في 31/7/1988 ، تمهيداً وخدمة لأعلان الإستقلال الفلسطيني في 15/11/1988 في الجزائر .
المكونات الفلسطينية الثلاثة :
1- أبناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل الفلسطيني المختلطة ، الذين يواجهون التمييز العنصري ، ويناضلون من أجل المساواة .
و 2- أبناء الضفة والقدس والقطاع ، الذين يواجهون الإحتلال والإستيطان والضم ، ويناضلون من أجل الإستقلال .
و 3- أبناء مخيمات اللجوء والتشرد والمنفى في الأردن وسوريا ولبنان ، وأولئك الذين يمسكون بفلسطينيتهم في مصر والعراق والخليج العربي ، وفي أوروبا وأميركا ، جميعاً شركاء في الدم والمصير والمعاناة ، ويناضلون من أجل العودة ، وفي التطلع نحو مستقبل أمن مستقر لشعبنا على أرضه وإستعادة حقوقه الثابتة في العودة والإستقلال والمساواة .
ولهذا ونظراً للتقلبات السياسية ، والتطورات الجارية ، لا بد من التأكيد المتواصل على إبراز حقوق الشعب العربي الفلسطيني ، الوطنية الثابتة وغير القابلة للتصرف أو التبديد أو التلاشي ، المجسدة بالقرارين المعبرين عن :
1- حق إقامة الدولة المستقلة وفق القرار 181 .
2- حق العودة وإستعادة الممتلكات وفق القرار 194 .
وعليه يجب التوضيح ، أن ثمة عناوين يتم تداولها ، والحديث عنها ، تتعارض مع حقوق الشعب العربي الفلسطيني ، وتشكل مساساً بها ، وتقلل من حجمها ، مما يتطلب عدم قبولها والتراجع عنها ورفضها وهي :
1- التبادلية في الأراضي .
2- الحل المتفق عليه بشأن عودة اللاجئين .
وكلاهما لا ينسجم مع حقوق الشعب الفلسطيني ، فالتبادلية تعني بقاء المستوطنات والمستوطنين الأجانب على أرض 67 في القدس والضفة الفلسطينية ، ومكافأة المشروع التوسعي الإستعماري العنصري الإسرائيلي على عدوانه وتوسعه وإستعماره ، بقبول هذه المستوطنات غير القانونية وغير الشرعية عبر التبادل في الأراضي ، والتبادلية في الأراضي هنا تتعارض مع القرار 242 الذي لا يجيز ضم أراضي الغير بالقوة ، فكيف نقبل ضمها لإسرائيل برضانا ومسبقاً وبموافقتنا ، ولهذا يجب أن نرفض التبادلية بالأراضي وإن كانت بالقيمة والمثل ، لأن التبادلية هذه هي غطاء لتمرير قبول المستوطنات وتشريعها وبقائها على أراضينا في مناطق 67 .
أما المصيبة الأكبر والأكثر أذى فهي قبول " حل متفق عليه " لعودة اللاجئين أي إعطاء الحق للعدو الإسرائيلي ولحكومة المستوطنين في الأقرار والصلاحيات في قبول أو رفض عودة اللاجئين إلى بيوتهم ومدنهم وقراهم التي طردوا منها ، وأن يكون الفيتو بيد العدو الإسرائيلي في أمر إستعادة ممتلكاتنا في مناطق 48 ، وهو أمر مستغرب ومستهجن أن نقبل به ، وأن نعط حكومة العدو الإسرائيلي حق قبول أو رفض عودة اللاجئين .
في الحالتين " التبادلية في الأراضي " و " الحل المتفق عليه بشأن قضية اللاجئين " جاءت بهما مبادرة السلام العربية ، ونحن لا نريد أن نصطدم بالعرب ومعهم ، ولكن على المجلس الوطني والمجلس المركزي ، أن لا يقبلا بذلك ، وعلينا أن لا نمرر ذلك وإذا تم للقيادة الفلسطينية أمر المناورة ، فعليها أن تحترم قرارات مرجعيتها : المجلس الوطني والمجلس المركزي ، خاصة وأن المجلس الوطني والمجلس المركزي هما اللذان منحا الشرعية للقيادة الفلسطينية الحالية في أمرين أساسيين هما :
أولاً : إنتخاب ستة أعضاء ، وضمهم لعضوية اللجنة التنفيذية بهدف إكمال العدد حتى لا تفقد اللجنة التنفيذية نصابها القانوني ، وتم ذلك في إجتماع غير عادي لإنعقاد المجلس الوطني يوم 26/8/2009 .
ثانياً : تمديد ولاية كلاً من رئيس السلطة الوطنية ، والمجلس التشريعي بقرار واحد ، بعد أن إنتهت ولايتهما ، بقرار من المجلس المركزي في دورة إنعقاده الثالثة والعشرين يوم 16/ 12/ 2009 ، والتي أُطلق عليها دورة الشرعية الدستورية ، وهذا يعني أن المجلس الوطني ومن بعده المجلس المركزي هو صاحب القرار ، وصاحب الولاية ، ومصدر الشرعية لكل من الرئيس واللجنة التنفيذية وللمجلس التشريعي .
التبادلية بشأن الأراضي ، والحل المتفق عليه بشأن اللاجئين ، تنازل مجاني للمشروع التوسعي العدواني الإستعماري الإسرائيلي ، ولهذا يجب تصويب الموقف السياسي الفلسطيني والتراجع عنهما وعدم قبول أي تعارض أو أي مساس مع قراري الأمم المتحدة 181 و 194 لأنهما أساس حقوق الشعب العربي الفلسطيني ومرجعيتها ، وبغير ذلك هو تفريط وتنازل عن الحقوق الثابتة غير القابلة للتصرف ، في حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى مناطق 48 وفق القرار 194 ، وفي حق الشعب العربي الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وفق القرار 181 .
مداخلة أمام المجلس المركزي الفلسطيني
h.faraneh@yahoo.com