منذ ان انطلقت الاحتجاجات في معان قبل نحو (15) عاما لم تتغير الصورة ، ولم نفكر جديا في مواجهة الازمة التي كلما اختفت وتوارت تفجرت من جديد.
لا يدفعني انتمائي في الدائرة المحلية الضيقة -فقط - لكي اكتب عن هموم اهلنا في معان ، ولكن ثمة احساس عميق لدي بان معان وما يحدث فيها يختزلان ويختصران ما يمكن ان نراه في بلدنا كله ،صحيح ان ل”معان " خصوصية في المعاناة والتهميش وفي التعبير عن الشعور بالظلم والخيبة ،لكن الصحيح ايضا ان حالة مجتمعنا كله اصبحت موجعة لدرجة اننا لم نعد نعرف فيما اذا بلدنا قد تغير ام ان ما فعلناه به وبانفسنا كان اكبر مما نتوقع.
قبل نحو عام (30 /أيار/2013) كتبت في هذه الزاوية عن معان ورسائلها التي لم تتوقف ، وحين اعدت اليوم قراءة ما كتبت لم اجد ان شيئا قد تغير ،لا الحدث ولا الردود ،لا المناخات ولا السياسات ، لا الهموم ولا المعالجات ، ولذلك استأذن القارئ الكريم بالتذكير بما قلته مع رجاء بان يقارن بين حدث امس وما يحدث اليوم ،بين واقع سكتنا عليه واخر يداهمنا الان ،وكأننا نجتر التاريخ او نحاول استنساخة بلا ادنى تعديل او اضافة.
قلت ان الرسائل التي تصلنا من أهلنا في معان ليست فقط مجرد ردود أفعال على تداعيات "حدث” لم ننهض كما يجب لـ”تطويقه” واستيعابه وتجاوزه، بل هي استخلاص "لحالة ازمة” تراكمت فيها المشكلات منذ سنوات طويلة ثم استعصت على "الحل”، لا لأن الحلول غير ممكنة، بل لأن البعض تعمد اهمالها، او استسهل الذهاب الى عناوين أخرى لـ”التغطية” على اسباب الأزمة او لـ”إدارتها” وتوظيفها في اتجاهات غير مفهومة.
الآن يدق "العقلاء” في معان ناقوس الخطر، ويعبرون بحس وطني -غاية في التهذيب- عن هواجسهم ومخاوفهم مما جرى ومما قد يجري اذا لم يفتح "المسؤولون” لواقطهم لاستقبال تلك الرسائل التي يبدو انها ضلت طريقها فيما مضى، وأصبح من الضروري ان نقرأها بعناية ووضوح.
لا اتحدث - هنا - عن "الشق” الأمني، وما تتعرض له الطرق من حوادث واسواق المدينة من "جمود” والشوارع من احتجاجات، بل اقصد "الحالة العامة” التي دفعت الناس هناك الى الاحساس "بالتهميش” والاهمال، وولدت لديهم قناعات بأن ما حدث ليس امرا عابرا بقدر ما هو نتيجة لسلسلة من السياسات الخاطئة التي "صممت” لعزل المدينة ومعاقبتها والعبث في مكوناتها بقصد أو دون قصد.
حتى الآن، لم يتحرك احد من المسؤولين للاستماع لأصوات عقلاء المدينة، وكنت اتوقع ان يخصص مجلس الوزراء - مثلا - احدى جلساته الرسمية لتعقد وسط المدينة بين الناس، وفيها تفتح كل الملفات الامنية والاجتماعية والاقتصادية، ثم نشرع بتنفيذ خطة "بناء” المحافظة من جديد.
فالمسألة تبدو بسيطة اذا ما تعلقت "بالتحقيق” في ملابسات احداث وقعت، او تجاوزات لبعض الخارجين على القانون واعتقد أن حلها لن يستغرق وقتا طويلا، لكن الأهم هو اعادة وضع "معان” على الخريطة السياسية والاقتصادية وتطمين اهلها بأنهم "شركاء” واصواتهم مقدرة، وقريبون - مثلما كانوا - من الدولة التي انطلقت قبل 90 عاما من هناك.
بوسع المسؤولين في بلادنا ان يبادروا الى فتح ملف "المحافظة”، وان يقرأوا مثلا استطلاعات الرأي حول اوضاع الناس الاقتصادية، ان يدققوا في ارقام البطالة وفي تصاعد معدلات العنف والجريمة، وأن يسألوا عن المشروعات التي تم تنفيذها للتنمية، وان يذهبوا الى اطراف المحافظة ليروا كيف يعيش الناس، وكيف يعانون.
أعتقد انهم لو دققوا في الصورة ، ونظروا اليها بعيون مفتوحة على الحل، لتحركوا على الفور، لكن يبدو أن البعض ما زال ينظر الى المدينة ومشكلاتها من زاوية واحدة. وهي "مواجهة العنف” دون ان نسأل انفسنا: لماذا العنف، وما دوافعه؟ وهل الناس هناك من هواة ممارسة العنف أم أن الظروف دفعت البعض منهم الى ذلك؟
لا نريد أن تتحول "الأزمة” -لا سمح الله- الى "فتنة” ولا نريد أن نصحو على اخبار غير سارة، فقد تعلمنا من تجاربنا أن الأزمة لا تلد الفرج دائما بل قد تلد مفاجآت غير محمودة، واهل معان ما زالوا - كما كانوا دائما - حريصين على بلدهم، ومن واجبهم علينا ان نفهم رسائلهم على الاقل وان نستقبلها بما يليق بها من اهتمام.
اعرف - بالطبع - ان مطالب أهل معان واطرافها، هي ذاتها ما يشغل الناس في المحافظات الأخرى، لكن تبقى لهذه المدينة خصوصية ولدتها ظروف معروفة، آخرها ما حدث من احداث مؤسفة خلال الايام الماضية ، تجعلنا ندعو - بحرارة - الى استدراك ما يحدث، و الانتباه اكثر، فأسوأ ما يمكن ان نتصوره هو ان ينفد صبر الناس بدافع الاحباط ويسير قطار "الجنون” على سكة الندامة التي ندعو الله - دائما - ان يجنب بلدنا السير عليها.. و يعيده الى سكة السلامة.