في خطوة مفاجئة في توقيتها، وإن كانت متوقعة في سياق التنافس المحموم بين أقطاب الأجنحة السعودية المتصارعة، استحدث الملك عبدالله منصباً جديداً أدخل بموجبه تعديلات على بنية القيادة السعودية، حيث أعلن الديوان الملكي السعودي 'مبايعة الأمير مقرن ولياً لولي العهد أو ملكاً في حال خلوّ منصبي الملك ووليّ العهد في وقت واحد'. وإن كان البعض يربط القرار بصحة الملك المتدهورة أكثر من أي اعتبار آخر.
وشدد الديوان الملكي في بيان، على أن هذا القرار 'لا يجوز بأي حال من الأحوال تعديله، أو تبديله، بأي صورة كانت من أي شخص كائناً من كان'.
والأمير مقرن، هو أصغر أبناء الملك عبد العزيز، ولد سنة 1945، وتولى عدّة مناصب؛ منها إمارة منطقة حائل في الفترة ما بين1980-1999، ثمّ عيّن أميراً لمنطقة المدينة المنورة، وفي تشرين الأول 2005 عيّن رئيساً للاستخبارات العامة حتى تموز 2012، عندما تولى بندر بن سلطان المنصب، فيما عيّن الملك عبد الله أخاه غير الشقيق والمقرّب منه (مقرن) مستشاراً له ومبعوثاً خاصاً، قبل ان يعينه في شباط 2013، نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء، ما جعله مرشحاً ثابتاً في خط وراثة العرش.
'إنه الحسم السريع والمباغت'، كما وصف أحد المراقبين أجواء القصر، وإن خالف الأعراف المعمول بها في السعودية عند تعيين النائب الثاني، حيث اخترع الديوان الملكي منصبا جديدا هو 'ولي ولي العهد'، مع إبقاء منصب النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، وهو ما يعكس الخلاف داخل العائلة المالكة، حول منصب ولي العهد، بعد تولي الأمير سلمان العرش، رغم أن هذا المنصب من اختصاص هيئة البيعة التي أنشأها الملك عام 2005.
وكانت تقارير أمريكية تحدثت منذ مدة، عن ترجيح إدارة أوباما لكفة وزير الداخلية محمد بن نايف، في الصراع المستعر بين الأجنحة المتصارعة على العرش، وعلى وجه الخصوص بين جناح الملك عبد الله والجناح السديري ممثلاً بالأمير سلمان ولي العهد ووزير الدفاع، وجناح أبناء الأمير نايف، ممثلاً بمحمد بن نايف، الأوفر حظاً لدى الأميركيين.
وقد سبق القرار السريع والخاطف الذي حازه مقرن يوم الخميس الماضي، تحويل مؤسسة الحرس الوطني إلى وزارة، وتعيين الأمير متعب بن عبد الله، نجل الملك، وزيرا، مما يشوش على العرف السائد تقليديا، القاضي بأن يصبح وزير الداخلية الأكثر ترجيحا لتولي منصب النائب الثاني، وبالتالي ضمان فرصته في الوصول إلى العرش، وصار هناك الآن أكثر من وزارة سيادية تشق طريقها الملغَم نحو منصب الملك.
ويرى محللون أن صدور القرار عشية زيارة باراك أوباما، قد يقطع الطريق على أي نقاشات حول ترتيبات جرت بين محمد بن نايف والمسؤولين الأميركيين خلال زيارته لواشنطن في الفترة ما بين 13 - 11 شباط الماضي، بخصوص دعم واشنطن له كمرشح راجح في خطة صعود الجيل الثاني لتولي الحكم.
ويرى هؤلاء ايضا أن العلاقة الوثيقة التي تربط الأمير مقرن بالملك عبد الله، إلى جانب طبيعة شخصيته، تجعل الأول ضامنا لفرصة الأمير متعب الوصول إلى العرش، إذ أن منع الإعلان عن إجراء أي تعديل على الاختيار الجديد يجعل ولي العهد سلمان وهيئة البيعة ملزمين بالقرار.
وأيا ما كان، فقد حسم الاختيار الجدل حول من سيخلف الأمير سلمان، في ظل شكوك حول فرصة الأمير مقرن في ولاية العهد، كونه لا يملك تأثيراً ولا وزناً داخل العائلة ولا قوة عسكرية على الأرض، ومع ذلك، قد يصبح الأمير مقرن ملكا حال خلو المنصبين معا، وقد لا يكون الموت وحده سببا لخلوهما، فخيار التنازل بالتوافق لا يزال سببا راجحاً، وهو ما يفتح الطريق أمام مقرن لتولي العرش، وحينها يكون متعب بن عبد الله ومحمد بن نايف قادرين على حجز مقعد في المركب الموصل إلى العرش بالتناوب.
ويقول هؤلاء المحللون، ان القرار الذي اتخذه العاهل السعودي بتعيين الامير مقرن وليا لولي العهد، يأتي ضمن اجراءات سيعلن عنها في الفترة القادمة لترتيب مسألة العرش في السعودية، حيث يمكن للملك السعودي ان يستنسخ التجربة القطرية، وانه بالفعل اتخذ القرار لكنه لم يحدد بعد موعد الاعلان عن تنازله عن العرش لاخيه سلمان بن عبد العزيز، وتباعا سيكون الامير مقرن وليا للعهد ثم يصعد للعرش، خاصة وان صحة الملك عبدالله لا تسمح له بإدارة شؤون البلاد.
واشار هؤلاء الى ان ولي العهد الامير سلمان (79 عاما) يعاني من تدهور في صحته، حيث قالت مصادر مقربة من دوائر القرار في المملكة ان من المحتمل ان يطلب عدم توليه العرش، خصوصاً بعدما ضمن تعيين نجله الامير محمد وزيراً للدفاع.
واكد المراقبون بان الملك السعودي طلب من هيئة البيعة الموافقة على تعيين الامير مقرن وليا للعهد بعد تولي الامير سلمان العرش على ان يحل الامير متعب مكان الامير مقرن نائبا ثانيا لرئيس الوزراء، وهو امر يضمن وصول متعب للعرش مستقبلاً، ولا سيما ان الملك عبدالله قد استرضى اغلب الامراء من خلال تعيين ابنائهم في مواقع مهمة، حيث اوضحت المصادر بان هناك تغييرات جذرية ستحدث في اغلب الوزارات ومناصب امراء الامارات في الفترة القادمة.