ما حدث أمس في مسيرة وسط البلد هو شيء أكثر من مخجل، ويصل إلى درجة تستدعي من الدولة تحقيقاً مباشراً، ومحاكمة علنية لأولئك "البلطجية" والزعران الذين اعتدوا على المواطنين المشاركين بعمل مدني سلمي يطالب بالإصلاح السياسي.
اليوم، تحديداً، لا يمكن القبول بأقل من إجراءات علنية وشفافة وواضحة في محاسبة هؤلاء الزعران ومن يقف وراءهم، ومن يتبنى مثل هذا الأسلوب المعيب للأردن وصورته، بل ويسيء للنظام السياسي بأسره داخلياً وخارجياً.
المفارقة أنّ الاستراتيجية التي اعتمدتها الدولة منذ بداية المسيرات والتظاهرات الداخلية، والمتزامنة مع الأحداث التونسية والمصرية، كانت نموذجاً متقدماً على الدول العربية كافة، واستطاعت أن تكسب "الصورة الإعلامية"، وأن تنزع فتيل أزمات كبرى، كانت ستقع لو حدث في تلك المسيرات ما حدث في مسيرة الجامع الحسيني الأخيرة.
من سيدفع ثمن هذه البلطجة هو رئيس الوزراء الحالي د. معروف البخيت، أولاً، والدولة عموماً ثانياً. فالرئيس جاء بإعلان واضح وصريح تتجه بوصلته مباشرةً نحو الإصلاح السياسي الحقيقي، وقدّم رسائل صريحة مسبقاً في هذا المجال، وهو يمهّد الطريق اليوم لخطوات أخرى ملموسة على الخط نفسه.
المفارقة الثانية فيما حدث أمس أنّ رئيس الوزراء نفسه كان قد التقى مجموعة ممن شاركوا في مسيرات الجمعة قبل ذلك بيوم واحد، بمبادرة ودية منه، ليفاجأ في اليوم التالي بالاعتداء الآثم عليهم من قبل الزعران.
أنا أقرأ ما حدث أمس بأنّه رسالة موجهة إلى رئيس الوزراء أولاً، قبل غيره، تختبر مصداقيته وجديته، ومدى قدرته بالفعل على إقناع الرأي العام والناس بأنه مصمم على المضي قدما في مشروع الإصلاح السياسي، والامتحان الأول له يتمثّل بإلقاء القبض على الزعران الذين أساؤوا لنا جميعاً، ومحاكمتهم وتقديم رواية صادقة وأمينة لما حدث، وإظهار التعاطف لمن تعرّضوا للاعتداء من شخصيات محترمة ووطنية.
ثمة أطراف لا تريد للإصلاح السياسي أن يسير إلى الأمام، ولا يرضيها ما تم الإعلان عنه من خطوات ورسائل إلى الآن، وما تزال تتعامل مع المطالبات الحالية بمنطق الاحتواء والاستهتار، وهو ما لا تقف تداعياته السلبية عند حدود رئيس الوزراء الحالي، بل على الدولة والمجتمع معاً، بعد أن وصلت الأزمة السياسية تحت وطأة "المنظور القاصر" إلى مرحلة غير مسبوقة، تمثّلت في بعض جوانبها بالعنف الاجتماعي، والاستقواء على الدولة، والعنف الجامعي، وتحطيم قيم الانتماء الوطني لدى شريحة واسعة من جيل الشباب، كما أثبتت دراسات رصينة مؤخراً!
من يؤذي الدولة والنظام ويسيء لصورة الوطن ولا يريد الخير له ولأبنائه هو من يقف في خندق مواجهة مع مشروع الإصلاح السياسي، وحق الناس بالاعتصام والتظاهر والتعبير، وحق طلبة الجامعات في الحريات العامة، والحريات الإعلامية، وإقرار قانون انتخاب عصري، وهو وراء أحداث أمس.
أيّا كان المخطط لما حدث، فهو طرف لا يدرك حجم المتغيرات الكبرى، وما جره هذا الأسلوب البدائي من مضاعفات خطرة، ولم يعلم أنّه بهذه الحماقات يؤذي النظام ويسيء له ولصورته، ويدفع بالخطاب الغاضب والمعارض إلى سقف أعلى من الاحتجاج والشعارات من قبل الحراك السياسي الداخلي.