يلعب الاعلام دورا اساسيا وهاما في التصدي لظاهرة الفساد، فلم يعد يمر يوما دون ان تتناول وسائل الاعلام المختلفة سواء المقروءة او المسموعة او المرئية احد الموضوعات ذات العلاقة بالفساد او بالنزاهة والشفافية والمساءلة والحاكمية الرشيدة.
فعلاقة الاعلام بمكافحة الفساد علاقة هامة تقوم في اساسها على كشف الحقائق، وتعرية افعال الفساد التي ترتكب في الخفاء، فالفاسدون بارعون في ممارسة فسادهم، وهم على اطلاع واسع ودراية تامة لمختلف التشريعات، ولديهم القدرة الكبيرة والمهارة العالية على التمويه والاخفاء، وفي بعض الاحيان التضليل من خلال وسائل الاعلام.
لا يستطيع الاعلام منفردا التصدي لظاهرة الفساد بعيداً عن التنسيق المسبق مع الجهة المعنية بالتصدي لممارسات الفساد، فهي مسؤولية تشاركية تتكامل بها الادوار وتتوزع بحيث تعي وتدرك كل جهة المهمة الخاصة بها، لتتمكن من القيام بدورها دون ان يحل احد مكان الاخر، او ان يأخذ دور الاخر، حتى يتحقق التكامل والتكاثف في مواجهة الفساد، بعيدا عن التصادم او التنافس.
وحتى تتمكن هيئة مكافحة الفساد من التعاون مع الجسم الاعلامي فلابد من ان تكون المصداقية هي الاساس وان يتم تجنب المبالغة والمغالاة في نشر الخبر وان يتم التركيز على نشر الحقائق كما هي وان يكون هناك جدية ومتابعة للموضوع بحيث لا يكون الهدف اثارة المجتمع او السعي لاحراز السبق الصحفي انما العمل على كشف الحقائق دون اغتيال الشخصية وبعيدا عن التشهير او التحيز بحيث يراعى التخصيص دون التعميم لان التعميم يبعدنا عن الحقيقة، فالفساد لا يأتي من فراغ انما هو نتاج ممارسات يرتكبها الاشخاص. كما لا بد من مراعاة الموضوعية وتعددية مصادر المعلومة عند تتبع او رصد الممارسات الفاسدة، وعدم الاعتماد على تناقلها والاحتكام الى الواقعية والمنطق قبل اعلانها.
كما لا بد للاعلام مراعاة اجراءات التحقيق، وسريته واهمية المحافظة على الدليل، وحمايته وهذا بدوره يستلزم ان يتوفر لدى الاعلامي الحد الادنى من الدراية عن آليات التحقيق وجمع الادلة والبينات والمتطلبات القانونية لقبول الدليل في المحاكم، كما يستلزم الامر ادراك الاعلامي للحماية التي يوفرها قانون هيئة مكافحة الفساد للشهود والمبلغين في قضايا الفساد، والتزام هيئة مكافحة الفساد بالمحافظة على سرية وامن وسلامة المبلغين (المصادر) في قضايا الفساد وعائلاتهم ووثيقي الصلة بهم.
ولا يقتصر دور الاعلام على التعامل مع قضايا الفساد، وانما للاعلام دور رئيس في مجالي الوقاية والتوعية بمظاهر الفساد، فلا يخفى على احد القدرة التأثيرية لوسائل الاعلام على مختلف شرائح المجتمع، فالاعلام وثيق الصلة بثقافة المجتمع، وهو قادر على التأثير، وعلى توعية الافراد باهمية ازدراء الفاسدين، وخلق بيئة رافضة للفساد فالاعلام قادر على مخاطبة عدد كبير من الناس في وقت واحد، وهذا بدوره يوفر فرصة لاستنهاض الرأي العام والتأثير في انماط السلوك، فقد يرفض المجتمع سلوكيات لم يكن له رفضها لولا ان الرسالة الاعلامية قد حملتها، واظهرت سلبياتها.
فالاعلام كما هو الحال بالنسبة لهيئة مكافحة الفساد معني بنشر الوعي الوقائي والاخلاقي حول اشكال الفساد، وآثاره السلبية على المجتمع وتسليط الضوء على الثغرات والفجوات التي يمكن من خلالها ارتكاب افعال الفساد لمعالجتها ودرء مخاطرها.
* عضو مجلس هيئة مكافحة الفساد